الحصانة البرلمانية

الملخص التنفيذي

من المبادىْ المقررة أن عضو البرلمان يمثل الشعب  ، ولايقتصر تمثله على الدائرة التي انتخبته، ولاشك أن عضو البرلمان قد يبدي رأياً لا يجد قبولاً لدى السلطة التنفيذية ، أو يتخلى عن وعد قطعه على نفسه لناخبيه فلا يرتضوا له ذلك ، أو يبدى رأياً يتعارض مع اتجاه حزب سياسي معين ، وعندئذ قد يكيد له هذا أو ذاك باتهام معين ليثنيه عن عزمه أو ليحول بإجراءات جنائية نتيجة هذا الاتهام دون مباشرة نيابته ، خاصة وأن نيابة العضو عن حزبه أو دائرته نيابة قانونية وليست وكالة اتفاقية على الرأي المستقر الآن في الفقه الدستوري .

من هنا كانت الحاجة إلى وسيلة قانونية ترد عنه مثل هذا الكيد حتى تتحقق حرية العضو في إبداء رأيه ، وهذه الوسيلة هي الحصانة البرلمانية .

فضماناً لاستقلال أعضاء البرلمان وحماية لهم ضد أنوع التهديد والانتقام سواء من جانب السلطات الأخرى في المجتمع أم من جانب الأفراد تتضمن دساتير معظم دول العالم نصوصها تكن لهم الطمأنينة التامة والثقة الكاملة عند مباشرة أعمالهم . وهذه النصوص تعرف باسم الحصانة البرلمانية وهي نوعان :حصانة موضوعية وحصانة إجرائية .

والحصانة الموضوعية تعني عدم مسئولية أعضاء البرلمان عن الأقوال أو الأفكار والآراء التي تصدر منهم أثناء ممارستهم لوظائفهم النيابية ولهذا يقال لها الحصانة ضد المسئولية البرلمانية .

أما الحصانة الإجرائية فتعني عدم جواز اتخاذ أي إجراءات جنائية ضد أي من أعضاء البرلمان في غير حالة التلبس بالجريمة إلا بعد إذن المجلس التابع له ولهذا يطلق عليها الحصانة ضد الإجراءات الجنائية .

والحصانة البرلمانية سواء أكانت موضوعية تمثل استثناء من القانون العام اقتضته ضرورة جعل السلطة التشريعية بمنأى عن اعتداءات السلطات الأخرى وهي إن كانت في الظاهر تخل بمبداء المساواة بين الأفراد إلا أن عدم المساواة هنا لم يقرر لمصلحة النائب بل لمصلحة سلطة الشعب ولحفظ كيان التمثيل النيابي وصيانة ضد أي اعتداء .

ولكن ليس معنى ذلك أن يصبح أعضاء البرلمان بهذه الحصانة فوق القانون لاحسيب عليهم ولا رقيب فالحصانة ليست طليقة من كل قيد أو حد فهي عندما تقررت إنما كان ذلك لهدف محدد وواضح لايجوز تجاوزه أو الخروج عليه وإلا تعرض عضو البرلمان للمسئولية كاملة .

وعليه سنتناول في هذا البحث

المبحث الاول : مفهوم الحصانة البرلمانية وأنواعها .

المبحث الثاني : الطبيعة القانونية للحصانة البرلمانية .

المبحث الثالث : إجراءات رفع الحصانة.

المبحث الرابع : الآثار المترتبة على رفع الحصانة البرلمانية .

المبحث الخامس : الحصانة البرلمانية في الدساتير العربية .

 

المبحث الاول : مفهوم الحصانة البرلمانية وانواعها .(1)

الحصانة البرلمانية جملة مركبة من كلمتين هما الحصانة ولها عدة معاني في اللغة منها التحرز والمناعة ، أما كلمة البرلمان ، فأنها كلمة معربة فرنسية الأصل تتكون بدورها من كلمتي (بارل ــــــparler) تحدث أو تكلم وكلمة (مينت ــــــ ment) التي تعني المكان ، ومن خلال الاستخدام أدمجت في كلمة واحدة (parlerment) بمعنى مكان الحديث أو الحوار ، ثم شاع استخدمها في اللغة العربية بكلمة البرلمان .

أما اصطلاحا فان جملة الحصانة البرلمانية ، تعني في شقها الأول (الحصانة ) ، امتياز يمنحه المشرع الوطني أو الدولي إلى بعض الأشخاص بحكم وظائفهم ، يعفيهم بموجبها من عبء أو تكليف أو مسائلة قانونية يفرض على جميع الأشخاص الموجودين على أرض الدولة أو يمنحهم امتياز بعدم الخضوع للسلطات العامة ومنها السلطة القضائية أو بعض أوجه مظاهرها ، أما الشق الثاني (البرلمان ) فانه يعني ـــــ اصطلاحاً ــــ المؤسسة السياسية المكونة من مجلس واحد أو مجلسين  تتألف من عدة أعضاء وتتمتع بسلطة تشريعية تتولى تشريع القوانين .

على أية حال فقد تعددت المعاني الاصطلاحية للحصانة ، فهي حماية ، كما أنها امتياز ، وقد تعني الاعفاء ، فهي نوع من الحماية التي يكلها الدستور والقوانين لنواب الشعب في البرلمان ليتمكنو من أداء مهامهم (كسلطة تشريعية ) بعيداًعن تأثير السلطة التنفيذية .

وهي ـــ ايضاًــــــ تنصرف لمعنى الميزة التي تمنح لأعضاء مجلس النواب ، يمكن من خلالها إيقاف ومنع متابعة أي عضو من أعضاء البرلمان أو البحث عنه أو القاء القبض عليه أو أعتقالة أو محاكمته بسبب إبدائه الرأي أو قيامه بتصويت خلال مزوالته لمهامه البرلمانية .فالاستظلال بمظلة الحصانة لا غنى عنه للنائب ، لان انحسار تلك الضمانة سيدفع عضو البرلمان ـــ خشية المسؤلية ــــ إلى التردد أو حتى الامتناع عن الاشتراك في المناقشات أو إبداء الاقتراحات أو غير ذلك من الأنشطة النيابية ، خاصة وأن المناخ الحماسي الذي يسود النقاش البرلماني يوفر بيئة صالحة للتجاوز في التعبير عن الرأي الذي قد يقع تحت طائلة القانون .

وعلى ذلك يمكن القول أن هذه الحصانة ماهي إلا امتياز دستوري يمنح لعضو البرلمان كي يباشر وظيفته النيابية على أكمل وجه أو أنها سبب قانوني خاص قرره المشرع الدستوري لمنع عقاب هذا العضو عما يبديه من قول أو رأي طالما أن ذلك يتم في أطار وحدود وظيفته البرلمانيه ، والمشرع حين قرر الإعفاء من العقاب وازن بين مصلحتين مصلحة العمل النيابي وتمثل الأمة تمثيلاً صادقاً ومصلحة من من أضر من جراء ماصدر عن عضو البرلمان من قول أو رأي ثم رجح ـــــ وهو أمر طبيعي ـــ المصلحة الأولى على الثانية بعد أنها الأكثر أهمية .

وخلاصة القول إن تخلف مبدأ عدم المسؤولية البرلمانية ،القاعدة مقررة لمصلحة العضوية لا لمصلحة شاغليها ، لذلك فان الرأي المستقر على تعلقها بالنظام العام ، ويترتب على ذلك مجموعة من النتائج أهمها مايلي :

1ـــ النتيجة الأولى تتعلق بتنازل العضوعن حصانته البرلمانية بمعنى هل يجوز للعضو أن يقدم نفسه للسلطة القضائية أو أن يمثل أمام لجان التحقيق من دون إذن من المجلس لإثبات براْته من التهمة الموجهة اليه ؟ الجواب عن ذلك يكون في النفي ، إذ لايمتلك عضو البرلمان التنازل عن حصانته بأي حال من الاحوال ، لأن هذه الحصانة لم تتقرر  لمصلحة العضو وإنما تقررت لمصلحة استمرار وسير العمل في المجلس ، ولولا هذه الحصانة لأصبح في إمكان السلطة التنفيذية أن تحول بين العضو وتمنعه من إبداء رأيه إذا كانت عازمة على ذلك من خلال عدم الحضور .

2ــــ إذ رفعت الدعوى إلى القضاء قبل رفع الحصانة وجب على المحكمة الحكم بعدم قبولها لبطلان إجراءاتها وتقضي المحكمة بذلك من تلقاء نفسها إن لم يدفع العضو بها .

الإجراءات الجنائية التي تتخذ ضد العضو من دون إذن المجلس أو رئيسه بأستثناء حالة التلبس بالجريمة تكون باطلة . إذا قد يرتكب العضو جريمة من الجرائم وهو يحمل صفة عضوية المجلس النيابي ومن ثم تطلب السلطة القضائية من المجلس أن تمارس في مواجهة العضو إجراءاتها ولكن المجلس لم يأذن لهذه السلطة بأن تتخذ الإجراءات المطلوبة في هذا الشأن ففي هذه الحال لايمكن للسلطة أن تستمر في اتخاذ إجراءاتها فالإجراءات التي اتخذت في حال عدم علم المجلس تكون باطلة ويعد الحكم بالإدانة الصادر في مواجهة باطلا ولكن بعد أن تنتهي فترة العضوية فإن العضو يفقد الحصانة التي اكتسبتها من خلال صفته عضواً فيجوز بعد ذلك اتخاذ الإجراءات الجنائية في مواجهه من دون إذن لأن العضو فقد حصانته بانتهاء مدة عضويته .

4ـــ يمكن الدفع بالبطلان في أي حالة تكون عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة التمييز . لما تقدم الحصانة البرلمانية على نوعين ، أو ذات وجهين تجعل من الصعوبة بمكان إيراد مفهوم واحد لها ، فليس من تعريف جامع لنوعيها ، بل يختلف هذان النوعان احدهما عن الآخر تماماً لذا كان لابد من إيراد تعرفين في آن واحد :

1ــــ الحصانة الموضوعية (عدم المسؤلية البرلمانية )

إن هذا النوع من الحصانة يحمي عضو البرلمان في إطار عمله البرلماني ،إذ تنص معظم دساتير العالم على هذه الحصانة ،التي تضمن لعضو البرلمان الحماية المناسبة في نطاق عمله البرلماني ممايتيح له حرية العمل من دون تهديد أو ضغط .

وهي تعني عدم مسؤلية أعضاء البرلمان عن الأقوال أو الأفكار أو الآراء التي تصدر منهم أثناء ممارستهم لوظائفهم النيابية ولهذا يقال لها اللا مسؤلية البرلمانية ، حيث يتمتع عضو البرلمان بالأعفاء من أية مسؤلية جنائية أو مدنية .

وفي العراق فقد أشارات المادة (63/ثانياًـــــ أ) من دستور 2005إلى( “يتمتع عضو مجلس النواب بالحصانة عما يدلي به من أراء في أثناء دورة الانعقاد ولايتعرض للمقاضاة أمام المحاكم “)كما ورد النص نفسه في المادة (20/اولاً) من النظام الداخلي لمجلس النواب (“لايسال العضو عما يبديه من آراء أو ما يورده من وقائع أثناء ممارسة عمله في المجلس “) .

ولنا أن نؤشر على النصوص سالفة الذكر الملاحظات التالية:

أـــ الملاحظ إن النائب في العراق يتمتع بحصانة مطلقة ،عامة ، شاملة ــ فهي حصانة مطلقة لايجوز تقيدها وعامة غير قابلة للتخصيص وشاملة غير مجزاة ــــ عن الآراء التي يبديها سواء أكانت هذه اللآراء سياسية أم قانونية أم أجتماعية ، ولعل إطلاق النص يدعو إلى القول إلى إن النائب في العراق يتمتع بحصانة عن الأقوال واللآراء تحمل معنى القذف والسب والشتم في طياتها فهو حر في إبداء آرائه وأقواله ، على خلاف المشرع البحريني لم يضع لهذه الحرية قيود تجد فيها حدها الطبيعي كعدم المساس بالعقيدة أو وحدة الأمة أو الاحترام الواجب للملك أو حتى الاعتداء على الأشخاص قذفاً

لكن نستطيع القول إن النظام الداخلي لمجلس النواب وضع بعض القيود التي يمكن الإشارة إليها في هذا المجال ، فالنائب ملزم عندما يريد أن يبدي رأياً أو يوجه سؤالاً أو استجواباً أن لايستعمل أياًمن ألفاظ السباب أو الشتائم الماسة بالأشخاص المراد سؤالهم أو استجوابهم ، مثل نص المادة (42) من النظام الداخلي التي ذكرت إن للمتحدث ـــ النائب ـــ التعبير عن وجهة نظرة مع وجوب المحافظة على احترام المؤسسات الدستورية للدولة وهيبتها واحترم مجلس النواب ورئاسته وأعضائه ، ولا يأتي [امر مخل بالنظام والوقار الواجب في الجلسة . أما المادة (58 ) من النظام نفسه فبينت أسلوب الاستجواب ، الذي لايجوز أن يتضمن أموراً مخالفة للدستور أو القانون أو عبارات غير لائقة ، أو أن يكون متعلقاً بأمور لاتدخل في اختصاص الحكومة أو أن تكون في تقديمه مصلحة خاصة أو شخصية للمستجوب .

ب ــــ كما ويلاحظ على حكم الدستور العراقي انه كان اكثر حماية لنائب من الدستور المصري . ذلك إن الدستور المصري يمنح الحماية في المادة (98) منه للأراء والافكار الصادرة أثناء أداء الأعمال في المجلس أو في لجانه . في حين إن الدستور العراقي لم يشترط هذا القيد المكاني ، إذ جاء النص الدستوري مطلقاً (أثناء دورة الانعقاد ) ، ومن ثم فان آراء النائب لها الحصانة في المجلس وخارجه ، طالما كان ذلك أثناء دورة الانعقاد .

أي إن الحصانة في العراق لاتشمل أقوال العضو داخل مجلس النواب فقط ، بل تشمل أقواله التي يبديها خارج المجلس بمناسبة قيامه بعمله البرلماني كالتصريحات الصحفية أو المقابلات التلفزيونية وغيرها .

ج ـــ النص العراقي بأطلاقه لم يحدد نوع الآراء التي يتمتع عنها النائب بالحصانة خاصة وان النظام الداخلي وسع من نطاق هذه الحصانة لتشمل الوقائع أيضاً ، ولم تكتف بالآراء والافكار , ولايخفى على احد الأثر الذي يمكن أن تخلفه وقائع وأفكار تم إيرادها بشكل مبستر أو بأسلوب غير صحيح على خلاف المشرع الأردني الذي حدد في المادة (87) من النظام الداخلي ،مدى ونطاق الحرية ، يظهر القيد الأول من خلال إلزمة النواب بالتكلم وإبداء الآراء في حدود النظام الداخلي للمجلس وثانياً أن يكون موضوع الآراء المحصنة تصويت أو إبداء رأى أو إلقاء خطاب في أثناء جلسات المجلس ، وقيد المشرع المصري الحصانة الموضوعية بأنها تنصرف إلى الآراء والأفكار المتعلقة بأداء النواب لأعمالهم .

2ــــ الحصانة الإجرائية

وهذه الحصانة تكمل قاعدة عدم المسؤلية الموضوعية ، فإذا كانت الأخيرة تدفع مسؤولية النائب عما يصدر من أراء وأفكار مخالفة للقانون وهو يؤدي نشاطه البرلماني ،فان الحصانة الإجرائية تحمي تصرفاته في الحياة العادية ، وغايتها دفع الدعاوى الكيدية عن النواب ، والتي توجه إليهم من الحكومة أو الخصوم السياسين بهدف إعاقة نشاطهم البرلماني .

وهي تعني عدم جواز اتخاذ أية إجراءات جنائية ضد أي نائب في غير حالة التلبس بالجريمة ــ إلا بعد اخذ الإذن من المجلس التابع له العضو وهي حصانة لاترقى إلى حد إعفاء العضو من المسؤلية أو من العقاب عما يقترفه من جرائم كما في الحالة السابقة وإنما فقط تأجيل إجراءات هذه المسؤلية أو ذلك العقاب ـــ في غير حالة التلبس كما أسلفنا ــــ حتى يأذن المجلس بذلك .

مع ملاحظة أن مسألة الحصانة هنا تثار دائما بسبب جريمة لاعلاقة لها إطلاقا بعمل العضو البرلماني ، ولهذا لا يمنح الدستور العضو في هذه الحالة أي حق من الإعفاء من العقاب أو من المسؤلية إذا ماثبت الاتهام .

ومعنى ذلك إن الحصانة الإجرائية لاتخرج نائباً عن سلطة القانون ولا تؤدي إلى حفظ الدعوى العمومية بالنسبة إليه ولاترمي إلى براءته ، كل ما في لأمر إنها تعمل على تأجيل النظر في داعوه أثناء مدة عضويته بالمجلس .

عليه يتبين لنا إن الحصانة الإجرائية مقررة لصالح العضوية لاشاغلها ، الأمر الذي يفيد تعلقها بالنظام العام مع مايترتب على ذلك من نتائج في صدراتها عدم جواز تنازل النائب عنها ، كما سبق وأسلفنا .

والحصانة البرلمانية على هذا النحو يقصد بها أنها ضمانة دستورية بعدم اتخاذ أي من الإجراءات الجنائية في غير حالة التلبس بالجرائم ضد أعضاء البرلمان أثناء انعقاده بغير إذن من المجلس التابع له ذلك العضو ، ولذلك فقد استثنيت من نطاق أعمال تلك الضمانة حالة التلبس بالجريمة حيث تتوافر مع هذه الحالة جدية الإجراءات بما لايكون معه ثمة حاجة إلى اشتراط أخذ إذن المجلس أو رئيسه .

وعلى هذا فالحصانة الإجرائية تعني عدم جواز اتخاذ أية إجراءات تتعلق بالتحقيق ضد عضو البرلمان ،عند اتهامه بجريمة وقعت خارج المجلس أو داخل المجلس ألا بعد الحصول على إذن من المجلس وقد أشار دستور 2005 إلى الحصانة الإجرائية في المادة (63/ثانياً ـــ ب وجـ ) كما أشار النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي في المادة (20/ ثانياً)

وقد وضعت هذه النصوص شروط إسقاط الحصانة الإجرائية أو رفعها عن النائب وهي تشمل الشروط التالية :

اولاً ـــ إذ كان متهماً بجناية .

ثانياًــ إذا ضبط متلبساً بالجرم المشهود في جنايه . فالحصانة التي منحها الدستور للعضو لاتشمله وهو في حالة التلبس ، ومن ثم تسقط عنه الحصانة حال التلبس بارتكاب جريمة ، لأنه من غير المنطقي والمعقول أن يمسك بالعضو وهو يقوم بارتكاب جريمته ثم يترك بحجه أن لديه حصانة برلمانية فهذا خارج نطاق القانون والمنطق .

ثالثاً ــــ الموافقة أو الإذن .

على ماتقدم فالحصانة البرلمانية بوجهها الأول تعني إعفاء أعضاء البرلمان من المسؤلية عن الأقوال والآراء التي يدلون بها أثناء ممارستهم لأعمالهم البرلمانية ، وهي تسمى بعدم المسؤلية البرلمانية أو الحصانة الموضوعية ، نسبة إلى الموضوعات التي يبدي العضو فيها رأيه بحريه ودون خوف من المؤاخذة ، أما وجهها الثاني فهو عدم إمكان اتخاذ بعض الإجراءات الجنائية إلا بعد اخذ موافقة المجلس ، ويطلق على هذا النوع بالحصانة الإجرائية ، نسبة إلى الإجراءات التي لاتتم إلا بعد اخذ موافقة المجلس .

 

المبحث الثاني : الطبيعة القانونية للحصانة البرلمانية :(2)

الحصانة البرلمانية سواء في ذلك الحصانة ضد المسؤولية لية البرلمانية أم الحصانة ضد الإجراءات الجنائية ليست في حقيقة الأمر امتيازاً شخصياً لعضو البرلمان وإنما هي مقررة في جميع الأحوال لصالح البرلمان الممثل الحقيقي للشعب ضماناً لاستقلاله في عمله وحماية لأعضائه .

ويثور التساؤل عما إذا كان إقرار مثل هذه الحصانة دستورياً يعني أن الأعمال أو الأفعال التي يقترفها عضو البرلمان والتي يحضرها قانون العقوبات تصبح أعمالا أو أفعالا مشروعه؟

الحصانة البرلمانية ضد الإجراءات الجنائية مستبعدة من هذا التساؤل، لأن الهدف منهما إرجاء اتخاذ الإجراءات الجنائية ضد العضو حتى يتم الإذن بها من قبل المجلس التابع له . إذ يصبح هذا العضو بعد صدور ذلك الإذن شخصاً عادياً يخضع لكافة أحكام التشريع الجنائي فيما اقترفه من فعل أو عمل .

فالحصانة ليس لها علاقة بالفعل أو العمل المقترف وإنما فقط بالإجراءات الجنائية الواجب اتخاذها في مثل هذه الحالة ، أو بمعنى أدق بوقت اتخاذ هذه الإجراءات ، فالحصانة التي نحن بصددها لاتخرج نائباً عن سلطة القانون ولا تؤدي إلى حفظ الدعوى بالنسبة إليه ولاترمي إلى براءته فكل مافي الأمر أنها تعمل على تأجيل النظر في الدعوى ضده أثناء الانعقاد .

وعليه فإن التساؤل السابق ينصب فقط على الحصانة ضد المسؤولية البرلمانية بحيث يتعين تحديد طبيعة هذه الحصانة ؟ وبيان التكيف القانوني لها ؟

وتعددت آراء الفقهاء في هذا المجال ، إلا أن الرأي السائد هو أن هذه الحصانة لم تقرر لمصلحة العضو الشخصية وإنما لصفنه الوظيفية ، وعلى ذلك يمكن القول أن هذه الحصانة ما هي إلا امتياز دستوري يمنح لعضو البرلمان كي يباشر وظيفته النيابية على أكمل وجه أو أنها سبب قانوني خاص قرره المشرع الدستوري لمنع عقاب هذا العضو عما يبديه من قول أو رأي طالما أن ذلك يتم في إطار وحدود وظيفته البرلمانية ، والمشرع حين قرر الإعفاء من العقاب وازن بين مصلحتين مصلحة العمل النيابي وتمثيل االشعب تمثيلاً صادقاً ومصلحة من أضر من جراء ما صدر عن عضو البرلمان من قول أو رأي ثم رجح ــــ وهو أمر طبيعي ــــ المصلحة الأولى على الثانية باعتبارها أنها الأكثر أهمية .

فإذا ارتكب العضو داخل المجلس أو داخل إحدى لجانه جريمة من الجرائم التي تقع بالقول كجرائم السب والقذف بصفة خاصة فهذه الجرائم تنحسر عنها صفة عدم المشروعية ليصبح الفعل مشروعاً بينماًهو في قانون العقوبات يظل فعلاً غير مشروع .

وحصانة أعضاء البرلمان سواء كانت حصانة ضد المسئولية البرلمانية أو حصانة ضد الإجراءات الجنائية قاعدة أساسية في كل نظام سياسي ، مرتبطة في حقيقتها بالصالح العام أو بالنظام العام .

قد يتساءل البعض هل الحصانة البرلمانية تمثل إخلالا بمبدأ المساواة بين الأفراد ؟ وفي هذا الصدد ذهب جانب من الفقه إلى القول بأن : الامتياز الذي يتمتع به أعضاء الهيئة التشريعية والمتمثل في الإعفاء من العقاب عن بعض الأفعال التي تصدر منهم أثناء تأديتهم لوظائفهم يمثل اعتداء صارخاً على مبدأ المساواة لأن هناك مجالس نيابية أخرى كمجالس المديريات ليس لأعضائها أن يتمتعوا بمثل الحصانة التي يتمتع بها أعضاء البرلمان ، وجانب آخر من الفقهاء قالو بأن الحصانة البرلمانية ليست حصناً لحرية القول وإنما هي حصن للإجرام على أساس أن الحصانة البرلمانية في النظم الوضعية قد تؤدي إلى منع العقاب وغالبا ماتكون لحماية النائب رغم كونه مجرماً آنما أستطال على الناس بفضل وظيفته النيابية .

لكن الرأي الراجح أن الحصانة البرلمانية لاتمثل إخلالاً بمبدأ المساواة لأن تطبيق المساواة تكون بين كل طائفة من الأفراد المتساوون في ظروفهم وأحوالهم الوظيفية كالمساوة بين أعضاء البرلمان ذاتهم وفيما بينهم لأنهم جميعاً يؤدون ذات الوظيفة النيابية وتسودهم بالتالي أوضاع وظروف متشابهة ومتساوية ، إما إذا قيل بضرورة المساواة بين أعضاء البرلمان الممثلين للأمة من ناحية وبين عامة الشعب من ناحية أخرى . فالحصانة لم تقرر لأعضاء البرلمان إلا لما يحيط بالدور الذي يباشرونه والمتمثل في الدفاع عن مصالح الشعب ورقابة الحكومة رقابة جادة وفعالة من أخطار أن تعوقهم عنمباشرة هذا الدور بالكيفية التي يجب أن يتم بها ، ولهذا تعتبر الحصانة البرلمانية تعتبر إجراء استثنائي اقتضته ضرورة جعل السلطة التشريعية بمنأى عن اعتداءات السلطات الأخرى

المبحث الثالث : إجراءات رفع الحصانة : (3)

تتعدد الإجراءات المتعلقة بالحصانة البرلمانية ابتداء من تقديم طلب رفع الحصانة ومن يحق له تقديم هذا الطلب والإجراءات التي لابد من إتباعها في تقديم هذا الطلب ، انتهاء بألاثار التي تترتب على هذا الطلب .

أولاً ــــ طلب رفع الحصانة البرلمانية وإجراءاته :

للحديث في هذا الامر لابد من بيان من يحق له تقديم طلب رفع الحصانة البرلمانية اولا ، ثم الإجراءات المتبعة في نظر طلب رفع الحصانة .

1ـــ طلب رفع الحصانة

إذا كانت الجريمة المتهم بها عضو مجلس النواب غير متلبس بها وغير مشهودة فانه لايجوز اتخاذالإجراءات القانونية بحقه والقبض عليه إلا في حالة استحصال موافقة مجلس النواب ، وطلب رفع الحصانة يقدم من قبل قضاة التحقيق إلى مجلس القضاء الأعلى ، الذي بدوره يخاطب مجلس النواب، ويرسل له طلب رفع الحصانة عن عضو ما مرفقاً معه الأوراق التحقيقية.

وفي استحصال الموافقة فرق الدستور بين حالتين أولهما أن تكون خلال مدة الفصل التشريعي أو خارج مدة الفصل التشريعي :

أ ـــــــ في حال الاتهام خلال مدة الفصل التشريعي : أوجب فيها الدستور موافقة مجلس النواب بلأغلبية المطلقة لاعضاءه على رفع الحصانة عنه، هذا ما نصت عليه المادة (63) فقرة (ب) .

ب ــــــــ في حال الاتهام خارج مدة الفصل التشريعي ـــ وأوجب الدستور فيها موافقة رئيس مجلس النواب على رفع الحصانة عنه ، هذا ما نصت عليه المادة (63) فقرة (ج).

وهذا يعني إن رفع الحصانة عن عضو مجلس النواب يكون من أختصاص المجلس نفسه عند وجود الفصل التشريعي ويكون من اختصاص رئيس المجلس فقط عند أنتهاء الفصل التشريعي وآية  ذلك تكمن في إن وجود مجلس النواب عند الفصل التشريعي يقتضي إيداع رفع الحصانة له وعند وجود مجلس النواب وأنتهاء الفصل التشريعي فأن ذلك لايعني تعطيل اتخاذ الإجراءات القانونية بحق النائب المتهم بجناية وحيث إن مجلس النواب كهيئة يمثله رئيسه لذا فأن الموضوع لا يحتاج إلى اجتماع وإنما يكتفي بموافقة رئيس المجلس .

والملاحظ أن النظام الداخلي لمجلس النواب لم يتطرق إلى المدة المطلوبة للبت في الطلب الإذن ، وتركها غير محددة وكان من الأفضل تحديدها بمدة معينة ، وذلك رغبة في إضفاء الاستقرار على عمل المجلس ، وكي يمارس مهامه المناطة به من دون تضييع وقته في دراسه قضايا وطلبات قد تكون بلا جدوى .

ولعل من نافلة القول ، إن الإجراءات الجنائية التي يتعين استئذان رئيس المجلس فيها تتناول القبض على المتهم ، أو ضبطه ، أو استجوبه على يد قاضي التحقيق مثلاً ، ودخول المنزل وتفتيشها أو تفتيش الأشخاص وضبط الأشياء والأوراق والأسلحة وكل ما يمكن أن يفيد في كشف الحقيقة حول الجريمة الجاري جمع الأدلة حولها أو حصول التحقيق في شأنها ، ووضع الأختام على الأماكن التي بها آثار أو أشياء قد تفيد في كشف تلك الجريمة وحبس المتهم حبساً احتياطياً .

2ـــ إجراءات النظر في طلب رفع الحصانة البرلمانية :

أن الحصانة البرلمانية تمثل المظلة التي يحتمي بها النائب رأثناء عضويته في المجلس التشريعي عند ممارسته وظائفه البرلمانية ، غايتها درء أي تعسف أو تسلط من جانب السلطات أو من جانب الأفراد أو الجماعات بهدف التأثير على دور النائب ، الإ أن الأخير فرد من أفراد المجتمع وإنسان حاله حال الآخرين ، قد يرتكب هذا العضو جناية أو جنحة أو مخالفة ، فهل من العدل والإنصاف أن يقف المجتمع عاجزاعن محاكمته وتطبيق العقاب المناسب عليه ؟ وهل من حقه أن يحتمي ويتمرس خلف الحصانة البرلمانية ؟

وفي العراق، جاء نص المادة (63) من الدستور ، والمادة (20) من النظام الداخلي لمجلس النواب يشوبهما العموم وخلواً من التفاصيل المنظمة لإجراءات رفع الحصانة . ولكن علينا التمييز بين دور رئيس المجلس في دراسة رفع الحصانة وبين مناقشة المجلس مجتمعاً لهذا الطلب ، وكما يأتي

اولاً ـــ فأذا ما رفع الطلب إلى رئيس المجلس خارج ادوار الانعقاد فان عليه بيان الرأي في منح الإذن من عدمه من دون إجراءات تذكر ، وكل ما على رئيس المجلس الالتزام به هو إن مهمه عند النظر في طلبات رفع الحصانة ــــ في غير دور الانعقاد ـــ مهمة سياسية ، وان عليه النظر في الباعث على اتخاذ الإجراءات الجنائية وما إذا كان ذلك يتعلق بالرغبة في الكيد سواء أكانت من الحكومة أو الأفراد ، وليس له ــــ رئيس المجلس ـــــ أن ينظر في توافر الأدلة أو عدم توافرها للأدانة في موضوع الاتهام .

ولا يمنع انفراد رئيس المجلس في اتخاذ قرار منح الإذن من عدمه ، وكون مهمته سياسية ــــ في رأينا ـــ من إن يقوم بالاستماع إلى أقوال المتهم ـــــ المطلوب رفع الحصانة عنه ـــ من باب كفالة حق الدفاع . إذ يجب أن يمكن من الدفاع عن نفسه ونفي التهمة منها .

ثانياً ــــ أما أذا كان تقديم الطلب ضمن ادوار الانعقاد فان ذلك الطلب يمرـــ برأينا ـــ بالإجراءات التالية التي نص عليها النظام الداخلي في المادة (37)  :

1ـــ الإدراج في جدول الأعمال : فالطلب المقدم ـــ سواء أكان من القضاء أو هيئة النزاهة أو من احد النواب ـــ إلى رئيس المجلس يجب أن يدرج الطلب لأهميته في جدول أعمال أ قرب جلسة ، فقد منع النظام الداخلي عرض أي موضوع لم يدرج في جدول الأعمال ومناقشته إلا بموافقة أغلبية الأعضاء الحاضرين .

2ـــ مناقشة موضوع الحصانة على وفق تسلسله ضمن فقرات جدول الأعمال ولا يصار إلى مناقشة أية فقرة جديدة إلا بعد الانتهاء كلياً من مناقشة الفقرة السابقة ، وإذا تعذر إتمام النقاش فلهيئة الرئاسة تأجيل النظر فيها إلى جلسة ثانية .

ولابد من الاشارة إلى أن مناقشة مجلس النواب طلب رفع الحصانة عن عضو من أعضائه لا تشمل دراسه وبحث موضوع الوقائع المنسوبة إليه بحثاً قضائياً ليبين الإدانة أو البراءة ، إذ ليس من وظيفة المجلس أن يبحث موضوع الدعوى من حيث ثبوت التهمة وعدم ثبوتها وإلا شكل ذلك افتراءً على السلطة القضائية ، فمهمة المجلس عند النظر في طلب رفع الحصانة مهمة سياسية لا قضائية ، فهو لا يجرى تحقيقاً بل تقتصر مهمته على التأكد من طلب رفع الحصانة ليس كيدياً وليد دوافع أو أغراض انتقامية تهديدية بل نزيهاًوجدياً فإن ضهر المجلس جدية الاتهام وجب عليه رفع الحصانة البرلمانية عن عضو البرلمان .

3ـــ تتاح الفرصة للنائب لبيان بعض الإيضاحات المتعلقة بالاتهامات الموجهة له أو بشأن الوقائع النسوبة إليه .

هذا وطلب رفع الحصانة قد يكون موجهاً لأكثر من عضو في المجلس ، وفي هذه الحالة يمكن للمجلس أن يصوت على الطلب مرة واحدة أو أن يقوم بالتصويت بالنسبة لكل عضو على انفراد ، وقد يكون الطلب المقدم إلى المجلس متعلقاًبطلب الإذن باتخاذ الاجراءات في أكثر من جريمة ، أما في حالة تعدد الجرائم المنسوبة للعضو ، فان للمجلس أن يصوت على كل جريمة على حدة ، وبشكل مستقل عن البقية ، كما أن له أن يأذن بالملاحقة القضائية في جريمة ويرفضها في البقية .

المبحث الرابع   ـــــ الآثار المترتبة على رفع الحصانة البرلمانية .(4)

تختلف الآثار المترتبة على رفع الحصانة البرلمانية عن النائب باختلاف نوع الحصانة البرلمانية:

اولاً ــــ بالنسبة للحصانة الموضوعية (عدم المسؤلية البرلمانية ):

يترتب على عدم المسؤولية البرلمانية أن العضو لايسأل عن اقواله لامسؤولية جنائية ولا مسؤلية مدنية لأنه يمتلك إباحة تخوله ذلك ، فهو لايتعرض للمسؤولية الجنائية أو المدنية ، وإنما قد يتعرض للجزاءات التأديبية التي نص عليها النظام الداخلي للمجلس .

 

ثانياً ــ بالنسبة للحصانة الإجرائية :

ويترتب على هذا النوع من الحصانة الآثار التالية :

1ـــ إن الحصانة البرلمانية تحول من دون اتخاذ الإجراءات الجنائية ، ما عدا في أحوال التلبس بالجرم المشهود في جناية ، فإذا ماقرر المجلس أو رئيسه عدم رفع الحصانة فانه يمتنع على القضاء اتخاذ أي إجراء ضد العضو ، مثل التوقيف أو التحقيق أو التفتيش أو القبض أو الحبس أو أي  إجراء جنائي آخر ، إلى حين انتفاء العضوية والحصانة التي يسبغها القانون عليها ،أما إذا اتخذت إجراءات باطلة ويبطل كل ما يترتب عليها .

والحصانة البرلمانية من حيث الأصل تتعلق بإجراءات فهي لا ترفع عن العمل المنسوب للعضو صفة الجريمة ولكنها توقف اتخاذ الإجراءات الجنائية حتى يصدر الأذن وتحول دون اتخاذ أي إجراءات جنائية ضد النائب . فإذا أذن برفع الحصانة سقطت الحماية المقررة للعضو وأصبح من الممكن اتخاذ الإجراءات القضائية كافة ضده .

2ـــ الحصانة ـــ من جهة أخرى ـــ لاتعفى من المسؤلية الجنائية ويمكن أن تظل قائمة في أنتظار الإذن برفعها أو زوالها : فإذا ما إذا قرر المجلس أو الرئيس في حالة غياب المجلس رفع الحصانة البرلمانية عن العضو ، فان الفرصة تتاح أمام القضاء لاتخاذ ما يلزم من إجراء ، وحسب ما هو وارد في طلب مجلس القضاء حول القضية المحددة ولايمكن تجاوز ذلك إلى قضية أخرى إلا بطلب جديد إلى المجلس واخذ موافقته عليه ، ويمكن التمييز هنا بين حكمين :

أ ــــ في حالة صدور حكم بعدم الإدانة فهنا ترجع الأمور إلى حالتها الطبيعية ويستعيد العضو حصانته البرلمانية .

ب ــــ أما في حالة الإدانة وإصدار الحكم على النائب ،فانه يتطلب أخذ رأي المجلس وموافقته على رفع الحصانة لتنفيذ الحكم .

3ــــ الحصانة البرلمانية لاتمنع من اتخاذ إجراءات مدنية ضد النائب . إذ لا محل للحصانة بالنسبة للدعاوى المدنية ، يستوي في ذلك الدعاوى التي ترفع أمام المحاكم المدنية أو أمام المحاكم الجنائية بوصف النائب مسؤولا عن الحقوق المدنية ، فتللك الدعاوى لاتنتيج آثاراً معيقة للعضو عن أدائه لوظائفه ، وبالتالي من غير المقبول إثقالها بقيد الحصانة الإجرائية .

4ـــ العضو الذي رفعت عنه الحصانة ولم يوقف له الحق في حضور جلسات المجلس واجتماعات اللجان والمشاركة في المناقشة والتصويت .

المبحث الخامس : الحصانة البرلمانية في الدساتير العربية :

ركزنا في هذه النقطة الاخيرة على أهم ما جاء في بعض الدساتير العربية بخصوص الحصانة البرلمانية .

1ــ الحصانة البرلمانية في الدستور اللبناني .(5)

تنص المادة (40) من دستور الجمهورية اللبنانية بأنه (” لايجوز أثناء انعقاد دورة الانعقاد اتخاذ إجراءات جزائية نحو أي عضو من أعضاء المجلس أو إلقاء عليه إذا اقترف جرماً إلا بإذن المجلس ما خلا التلبس بالجريمة (الجرم المشهود )” )، وتنص إعادة (39 ) من دستور لبنان على عدم مسؤولية أعضاء مجلس النواب حيث أنه : (“لاتجوز إقامة دعوى جزائية على أي عضو من أعضاء المجلس بسبب الآراء والأفكار التي يبديها مدة نيابية “).

2ـــ الحصانة البرلمانية في الدستور الأردني .(6)

تنص المادة (86) من دستور المملكة الأردنية الهاشمية على مايأتي :

(1ـــ لا يوقف أحد أعضاء مجلسي الأعيان والنواب ولا يحاكم خلال مدة إجتماع المجلس ما لم يصدر من المجلس الذي هو منتسب إليه قرار بالأكثرية المطلقة بوجود سبب كاف لتوقيفه أو لمحاكمته أو ما لم يقبض عليه في حالة التلبس بجريمة جنائية وفي حالة القبض عليه بهذه الصورة يجب إعلام المجلس بذلك فوراً.

2- إذا أوقف عضو لسبب ما خلال المدة التي لا يكون مجلس الأمة مجتمعاً فيها فعلى رئيس الوزراء أن يبلغ المجلس المنتسب إليه ذلك العضو عند إجتماعه الأجراءات المتخذة المشفوعة بالإيضاح اللازم. )

3ـــ الحصانة البرلمانية في الدستور التونسي .(7)

يقضي الدستور التونسي في الفصل السابع والعشرين  بأنه (” لايمكن تتبع أو إيقاف أحد أعضاء مجلس النواب أو مجلس المستشارين طيلة نيابته في تهمة جنائية أو جناحية مالم يرفع عنه المجلس المعني الحصانة . أما في حالة التلبس بالجريمة فإنه يمكن إيقافه ويعلم المجلس المعني حالا على أن ينتهي كل إيقاف إن طلب المجلس المعني ذلك . وخلال عطلة المجلس المعني يقوم مكتبه مقامه “). وكذلك ينص الدستور التونسي في الفصل السادس والعشرون على أنه( ” لايمكن تتبع عضو مجلس النواب أو عضو المستشارين أو إيقافه أو محاكمته لأجل آراء أو اقتراحات يبديها أو أعمال يقوم بها لأداء مهامه النيابية داخل كل مجلس “).

4ـــ الحصانة البرلمانية في الدستور اليمني .(8)

تنص المادة  (81) (لا يؤاخذ عضو مجلس النواب بحال من الأحوال بسبب الوقائع التي يطلع عليها أو يوردها للمجلس، أو الأحكام والآراء التي يبديها في عمله في المجلس أو لجانه أو بسبب التصويت في الجلسات العلنية أو السرية ولا يطبق هذا الحكم على ما يصدر من العضـو من قـذف أو سـب).

مادة (82) (لا يجوز أن يٌتّخذ نحو عضو مجلس النواب أي إجراء من إجراءات التحقيق أو التفتيش أو القبض أو الحبس أو أي إجراء جزائي إلا بإذن من مجلس النواب ماعدا حالة التلبس، وفي هذه الحالة يجب إخطار المجلس فوراً، وعلى المجلس أن يتأكد من سلامة الإجراءات وفي غير دورة انعقاد المجلس يتعين الحصول على إذن من هيئة الرئاسة، ويخطر المجلس عند أول انعقاد لاحق له بما أتـخـذ من إجـراءات).

5ــــــ الحصانة البرلمانية في الدستور المصري .(9)

نصت المادة (99) من دستور مصر على أنه : (” لايجوز في غير حالة التلبس بالجريمة اتخاذ أية إجراءات جنائية ضد عضو مجلس الشعب إلا بإذن سابق من المجلس .وفي غير دور  انعقاد المجلس يتعين أخذ إذن رئيس المجلس ويخطر عند أول انعقاد له بما اتخذ من إجراء “).

وفي مصر لايؤاخذ أعضاء مجلس الشعب عما يبدونه من الأفكار والآراء في أداء أعمالهم في المجلس أو في لجانه .

النتائج :

من خلال العرض السابق ، توصلنا إلى أن الحصانة البرلمانية تنطوي على معاملة عضو البرلمان معاملة خاصة فيما يختص بتطبيق القوانين النافذه في بلاده وذلك لتمكينه من ممارسة مهامه النيابية بكل حرية واستقلال ، ودون خوف أو جل . وخاصة فيما يتعلق بإظهار خطأ الحكومة وعيوبها وتبليغ مظالم الأفراد ، فعضو البرلمان لايسأل مدنيا أو جزائيا عما يبديه من آراء أو أقوال أو مايصدر عنه من وقائع في البرلمان وفي أعمال اللجان فهو يستطيع في سبيل أدائه لمهامه أن يقذف أو يسب أو يتلفظ بكلام لو تلفظ به غيره لعوقب عليه وهذا مايسمى بالحصانة الموضوعية أو الحصانة المطلقة أو عدم المسؤولية البرلمانية .

كما تؤمن الحصانة البرلمانية لعضو البرلمان حماية خارج نطاق الوظيفة البرلمانية فعضو البرلمان إذا ارتكب جريمة خارج هذا النطاق فإن العدالة تفترض أن يتدخل القانون لكي يفرض سلطة الدولة في العقاب والدفاع عن المجتمع إلا أن الصفة البرلمانية لمرتكب الفعل تفترض ضمن شروط معينة تأجيل هذا التدخل إلى حين الحصول على إذن من البرلمان وهذا يسمى بالحصانة الشخصية أو الحصانة الإجرائية .

وبالتالي تعتبر الحصانة البرلمانية هي أهم الضمانات الدستورية الممنوحة لأعضاء البرلمان فهي تكفل لهم فرصة التعبير الحر والمطلق عن الإرادة الوطنية التي يمثلونها وينطقون باسمها ، وتوفر لهم الحماية من تعنت السلطة التنفيذية معهم ، والتي قد تلجاْ من تأجيل أو منع معارضة عضو البرلمان لها إلى الضغط عليه عن طريق التوقيف أو الملاحقة أو المحاكمة الكيدية .

أيضاً تعتبر الحصانة البرلمانية مبدأ دستوري أقرته جميع دساتير دول العالم على الرغم من اختلاف نظمها السياسية وطبيعة العلاقات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية فيها . ويبدو أن هذا الإقرار الدستوري للحصانة البرلمانية جعلها بالغة الأهمية سواء من الناحية القانونية أو المؤسساتية أو السياسية .

وكما ذكرنا سابقا، تمنح مختلف دساتير دول العالم حصانة لأعضاء البرلمان ، وذلك على الرغم من اختلاف نظمها السياسية وطبيعة العلاقات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية فيها .

إلا أنه يمكن لنا أن نلاحظ أن القواعد القانونية التي تنظم هذه الحصانة سواء الواردة منها في دساتير الدول ، أو في الأنظمة الداخلية لمجالسها النيابية ، تكون متفاوتة من حيث مفهوم هذه الحصانة وآثارها ، ويبدو أن هذا التفاوت يرجع إلى اختلاف مبررات أو مسوغات هذه الحصانة في ظل الأنظمة السياسية السائدة في الدول

 

الهوامش

1ـــــ د. حنان محمد القيسي ، حقوق وواجبات أعضاء مجلس النواب في العراق، ( د، ط ) ، بيت الحكمة ، جمهورية العراق ، بغداد ، 2011، ص132ـــ142.

2ــــ حسنية شرون ، الحصانة البرلمانية ، مجلة المفكر العدد الخامس ، 2009 ، ص151ــــ153،أطلع عليه بالموقع الالكتروني :

www.univ-biskra.dz/fac/droit/index.php?option=com

3ــــ د. حنان محمد القيسي ، المصدر السابق ، ص 150ــــ 154.

4ــــ المصدر نفسه ، ص155ــــ 157.

5ــــ الدستور اللبناني لسنة 1926المعدل .

6ـــ الدستور الأردني لسنة 1952 المعدل .

7ــــ الدستور التونسي لسنة 1959.

8 ـــــ الدستور اليمني لسنة 1994.

9ــــ الدستور المصري لسنة 1971.