جرائم الابادة الجماعية

المقدمة :

اذا كانت الجريمة بأعتبارها ظاهرة اجتماعية خطيرة قد نالت اهتمام الدول على المستوى الوطني ( الداخلي ) فأن القانون الدولي قد اولى اهتماماً خاصاً بالجرائم الاشد خطورة  بأعتبارها جرائم روعت البشرية ظهر ذلك من خلال ماابرمتة الدول من معاهدات نصت على تلك الجرائم كما شكلت المحاكم الدولية لمحاكمة فاعليها ومن بين تلك الجرائم ( جريمة الابادة الجماعية ) التي عرفتها اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين  المعقودة عام 1949 بأنها ” الأفعال التي ترتكب عن قصد لتدمير كل أو جزء من جماعة قومية أو أثنية أو عنصرية أو دينية” من خلال قتل أعضاء هذه الجماعات، أو إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضائها، أو إخضاعها عمداً لظروف معيشية يراد منها تدميرها كلياً أو جزئياً..

ونتناول في هذه الدراسة الجرائم التي ارتكبها النظام السابق بحق الكرد في العراق وقد استعرضنا تفاصيل الجرائم بشكل موجز ومختصر مع عدم الاخلال بالوقائع , ثم بينا موقف القانون الدولي والاتفاقيات والاعراف الدولية من هذه الجرائم , مع عرض حالات دولية مشابهة لجرائم الابادة الجماعية

جرائم الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية المرتكبة من قبل النظام البائد

 

أولا/ قضية الكرد الفيليين :

في عام 1971 تم تسفير الوجبة الأولى من الكرد الفيليين بدعوى تبعيتهم الإيرانية , وفي عام 1980 صدرت جملة من القرارات ضدهم كان أبرزها القرار (666) لسنة 1980 الذي أسقطت الجنسية العراقية بموجبه عنهم مما مهد الطريق لتسفير ما يقارب من نصف مليون شخص ومصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة وإحتجاز شبابهم ممن تتراوح اعمارهم  بين الأربعة عشر عاما ومنتصف الثلاثينيات ثم إعدام أولئك الشباب لاحقا وصدرت قرارت لاحقة في نفس الإتجاه كالقرار رقم 474 لسنة 1981 الذي يصرف بموجبه للزوج المتزوج من زوجة من التبعية الإيرانية مبلغ (4000) دينار إذا كان عسكريا ومبلغ (2500) دينار إذا كان مدنيا في حالة طلاقهم لزوجاتهم والزواج بعراقية  والقرار رقم 518 لسنة 1980 الذي يستثني الأجنبي من التبعية الإيرانية من أحكام التجنس وقرارات أخرى ومن تبقى من الاكراد الفيليين حرم من حق :

1 ـ التعيين في بعض دوائر الدولة .

2 ـ  التقديم للدراسات العليا .

3 ـ  الإنتساب الى الأجهزة الأمنية والعسكرية وغيرها .

 

ثانيا / عمليات الأنفال :

إستلزمت حملة الأنفال سلسلة من ثمانية هجمات عسكرية جرى تنفيذها في ستة مناطق جغرافية مختلفة في كردستان بين أواخر شباط وأوائل أيلول عام 1988

وقد تم في هذه العمليات تدمير العديد من القرى وقتل وإعتقال سكانها وإقتيادهم الى المعتقلات ومحاولة إنهاء مظاهر الحياة فيها كذلك تم إخفاء الآلاف من الشباب ولم يتم الكشف عن مصيرهم ليعلم أنهم قد قتلوا فيما بعد وكان من بين الشهداء في عمليات الأنفال الأطفال والنساء والشيوخ والرجال بل وحددت العديد من القرى التي أطلق عليها (القرى المحظورة ) التي منع أيصال المواد الغذائية والأشخاص والأجهزة والآلات إليها لأسباب سميت( أمنيــــة ) وتم منع الاشتغال فيها بالزراعة والرعي وغيرها .

المراحل التي مرت بها عمليات الانفال ونتائجها :-

مراحل العمليات:

وقد مرت عمليات الأنفال العسكرية بستة مراحل رئيسة نجملها كما يأتي :

1-     الأنفال الأولى : بدأت بهجوم كبير صبيحة يوم 23/ شباط  لغاية19/اذار 1988 ويدخل قصف حلبجة ضمن مدة الأنفال الأولى في 16/اذار من السنة نفسها.

2-     الأنفال الثانية :في منطقة (قره داغ) للمدة من 22/اذار لغاية1/نيسان /1988م .

3-     الأنفال الثالثة: و التي شملت منطقة كرميان في محافظة كركوك و بدأت في7-20/ نيسان,  والهدف منها هو تدمير كل الريف الكوردي في هذه المحافظة. وكانت أوسع وأقسى صفحات الأنفال وأكثرها تدميرا سواء من حيث مساحة المناطق التي شملتها أم عدد المؤنفلين

4-     الأنفال الرابعة : وشملت وادي الزاب الأسفل للمدة من 3-8/مايس/1988م .

5-     الأنفال الخامسة والسادسة والسابعة :شملت أودية جبال شقلاوة وراوندوز للمدة من 15/مايس -26/اب/ 1988م وبعدها علقت العمليات مؤقتا .

6-     الأنفال الثامنة والأخيرة :نفذت في منطقة (بهدينان) من 6 الى 25 أيلول /1988م .

نتائج العمليات :

1 ـ تدمير أكثر من (4500) قرية وقصبة .

2 ـ تدمير المؤسسات الدينية والمدنية والخدمية .

3 ـ بلغ عدد ضحايا الأنفال زهاء (182000) ضحية قتلا أو إخفاءا.

4 ـ تشريد أكثر من (500000) إنسان .

5 ـ خلفت عشرات الالاف من الجرحى والمرضى والمعاقين .

 

ثالثا / جريمة حلبجة :-

تقع حلبجة ضمن الحدود الإدارية للسليمانية , وقد تمت مهاجمتها من قبل القوات العراقية بتاريخ 16/3/ 1988بالسلاح الكيمياوي الذي يطلق عليه ( العتاد الخاص ) او (غاز الخردل ) و (غاز الأعصاب السيانيد) ونتج عن هذه العملية مقتل أكثر من ( خمسة ألاف ) شخص منهم نساء وأطفال وشيوخ ورجال , كما بلغ عدد المصابين في قصف حلبجة وحدها (10000) مصاب .علاوة على إختفاء مظاهر الحياة في هذه المدينة وهذا الفعل يتعارض مع إلتزامات العراق بالمعاهدات والإتفاقيات الدولية خاصة اتفاقية الأمم المتحدة بشأن ( منع جريمة الابادة الجماعية والمعاقبة عليها ) لعام 1948 والتي أنضم العراق اليها في عام 1959 .

 

رابعاً ابادة البارزانيين :

مثلت هذه الجريمة مأساة حقيقة من ماسي التطهير العرقي ضد الكورد ، وقد بدأت الجريمة منذ عام 1975 حينما اصدر النظام البائد أمراً بترحيل عشيرة البارزانيين من قراهم بمحافظة اربيل الى محافظات جنوب العراق ، وفي عام 1980 أعيدوا الى مجمعات سكنية قسرية في ناحية    ( قوش تبة ) . وفي المدة الواقعه بين 30 تموز والاول من أيلول 1983 طوقت الاجهزة الامنية والحرس الجمهوري تلك المجمعات واحتجزت الاف من الرجال والفتيان من البارزانيين ممن تزيد اعمارهم عن تسعة اعوام بحجة نقلهم لحضور اجتماع ومن ثم اعادتهم الى مساكنهم حيث نقلوا بأتجاة مدينة كركوك ولكن مصيرهم بقي مجهولاً لحين العثور على بعض رفات معتقلين منهم بعد العام 2003 حيث تبين انهم كانوا قد اعدموا رمياً بالرصاص ودفنوا في مقابر جماعية في ناحية ( البصية ) التابعة لمحافظة المثنى وتشير الاحصائيات الى ان ضحايا هذه الجريمة بلغ نحو (8000) ثمانية الاف انسان . وقد قامت الحكومة العراقية بعد عام 2003 بأحالة المتهمين عن هذه الجريمة  الى المحكمة الجنائية العراقية العليا لمحاكمتهم وفي 2/3/2009 عقدت المحكمة اول جلسة ومن ثم صدر الحكم بتاريخ 3/5/2011 معتبراً جريمة ابادة البارزانيين جريمة ابادة جماعية .

 

لقد شكلت جرائم النظام السابق المذكورة آنفاً انتهاكاً صارخاً للاعراف والاتفاقيات الدولية التي اعتبرت الابادة الجماعية جريمة يجب منعها والعقاب عليها ومن تلك الاتفاقيات حسب كل جريمه :

  • قضية الكرد الفيليين : شكلت هذه الجريمة خرقاً للإتفاقيات والإعلانات والمواثيق الدولية ومنها :
  • الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في :

المادة 3 : لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه.

المادة 5 : لايعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة.

المادة 7 : كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة عنه دون أية تفرقة، كما أن لهم جميعا الحق في حماية متساوية ضد أي تميز يخل بهذا الإعلان وضد أي تحريض على تمييز كهذا.

المادة 9 : لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً.

المادة 15  : 1-لكل فرد حق التمتع بجنسية ما.

2-     لا يجوز حرمان شخص من جنسيته تعسفاً أو إنكار حقه في تغييرها.

المادة 17 : لكل شخص حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره.

 

ب- الإتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري التي صادق عليها العراق في 14/1/1970 في :

المادة 5 : إيفاء للالتزامات الأساسية المقررة في المادة (2) من هذه الاتفاقية، تتعهد الدول الأطراف بحظر التمييز العنصري والقضاء عليه بكافة أشكاله، وبضمان حق كل إنسان، دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل القومي أو الاثني، في المساواة أمام القانون، لا سيما بصدد التمتع بالحقوق التالية :

الفقرة د :

(1) الحق في حرية الحركة والإقامة داخل حدود الدولة  مع آخرين .

(3) الحق في الجنسية .

(5) حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع أخرين .

(6) حق الإرث .

 

  • عمليات الانفال :

تعد الافعال التي ارتكبت في عمليات الانفال منافية لقواعد وأحكام القوانين الإتفاقيات الدولية والإنسانية والتي منها :

  • إتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12/ أب / 1949 والتي نصت :

 

 

المــادة (3)

في حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي في أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة، يلتزم كل طرف في النزاع بأن يطبق كحد أدنى الأحكام التالية :

1) الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر.

ولهذا الغرض، تحظر الأفعال التالية فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين أعلاه، وتبقى محظورة في جميع الأوقات والأماكن :

( أ) الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب،

(ب) أخذ الرهائن،

( ج) الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة،

( د) إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلاً قانونياً، وتكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة.

2) يجمع الجرحى والمرضى ويعتني بهم.

 

ب- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي جاء في بنوده مايلي :

المادة 3 : لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه.

المادة 5 : لايعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة.

المادة 9: لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً.

 

3 ــ جريمة حلبجة : شكلت هذه الجريمة انتهاكاً لـ :

أ-اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين والتي عقدت سنة 1949 :

حيث نصت المالدة (33) منها : منع الهجمات العشوائية التي تنتهك حقوق المدنيين وتعرضهم الى مخاطر جسدية أو في ممتلكاتهم .

ب-  البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف والمعقود عام 1977:

في الفقرة الاولى من المادة (57) منه اعتبار الأعمال العدائية العسكرية انتهاكا خطيراً لاتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين.

 

 

كيفية حماية الناس لاحقاً من قبل الامم المتحدة لعدم حدوث ابادة جماعية

ويتمثل ذلك في العديد من المبادىء والقواعد الدولية الاتفاقية المكتوبة الى جانب الاعراف الدولية التي يعمل المجتمع الدولي على تطبيقها والتي يمكن تلخيصها بـ :

  • اعتبار جريمة الابادة الجماعية من الجرائم الاشد خطورة والتي تثير قلق المجتمع الدولي بأسرة وفقاً لما جاء في ديباجة نظام المحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 وفي المادة الخامسة منه .
  • اعتبار جريمة الابادة الجماعية انتهاكاً لحقوق الانسان قد يصل وصفها الى ( تهديد للسلم والامن الدوليين ) تستوجب تدخل مجلس الامن استناداً للفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة .
  • عدم تقادم الجرائم الاشد خطورة والتي منها جريمة الابادة الجماعية .
  • الاعتراف الدولي بالاختصاص الشامل والذي يعني ملاحقة الفاعل ومقاضاتة امام المحاكم الجنائية الوطنية بصرف النظر عن مكان ارتكاب الانتهاك أو جنسية الفاعل او الضحية نفسها .
  • اعتبار قاعدة ( أما التسليم أو المحاكمة ) قاعدة معترف بها على المستوى الدولي حيث تلزم الدولة في حالة عدم محاكمة فاعل الجريمة بتسليمة للقضاء الدولي بأعتبار هذا الاخير قضاءاً مكملاً للقضاء الوطني وفقاً لماجاء في (نظام روما ) للمحكمة الجنائية الدولية عام 1998 .
  • عدم اعتبار جريمة الابادة الجماعية من الجرائم السياسية لكونها لايمكن ان تنضوي تحت غطاء العمل السياسي .
  • التأكيد على منع جواز منح المتهمين بهذه الجرائم الحماية واللجوء في كافة الدول .

 

 

القرارات الدولية حول الابادة الجماعية وعقوباتها

توجد العديد من النصوص الاتفاقية الدولية حول جريمة الابادة الجماعية أهمها :

  • معاهدة حظر الابادة والمعاقبة عليها لعام 1948 .
  • معاهدة حظر الابارتهيد لسنة 1973 والتي نصت في المادة (2) منها على اعتبار قتل اعضاء من مجموعة بشرية جريمة دولية .
  • مشروع تقنين الجرائم ضد السلام وأمن الانسانية لعام 1996 .
  • نظام روما بشأن المحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 والذي دخل حيز النفاذ في عام 2002 .

حالات  اخرى لجرائم ابادة جماعية تقارن مع الانفال في العراق

 

  • جريمة ابادة الارمن :

وهي الجريمة التي ارتكبتها القوات التركية في العقد الثاني من القرن العشرين وراح ضحيتها الالاف من الارمن وكان البرلمان الاو ربي قد اعترف بهذه الجريمة ( الابادة الارمنية ) منذ حزيران 1987 وكذلك البرلمان اليوناني ومجلس الشيوخ البلجيكي والبرلمان الروسي في 14 نيسان 1995 ثم البرلمان الايطالي والفاتيكان في تشرين الثاني 2000 ثم اعترفت بها فرنسا بتاريخ 18 يناير 2001 .

 

  • التطهير العرقي في يوغسلافيا :

 

وهي افعال التطهير العرقي المرتكبة من قبل الصرب ضد مسلمي وكروات البوسنة وايضا من قبل يوغسلافيا الاتحادية ضد البان كوسوفو عام 1999 ، وقد ادت هذه السياسة التي طبقها الصرب منذ بداية النزاع في 1991 – 1993 الى تهجير عشرات الالاف من مسلمي وكروات البوسنة اضافة الى موت  عشرات الالاف منهم .

 

  • عمليات الابادة التي وقعت في رواندا عام 1994 جراء التنازع بين مجموعتين عرقيتين هما ( الهوتو والتوتسي ) والتي راح ضحيتها ايضا مئات الالاف من الابرياء من طرفي النزاع .

قائمة المصادر :

 

  • جريمة العراق في الإبادة الجماعية حملة الأنفال ضد الكرد / إعداد منظمة حقوق الإنسان / الشرق

الأوسط / ترجمة من الإنكليزية/ جمال ميرزا عزيز .

  • د. صفوان مقصود خليل ، الجرائم ضد الانسانية والابادة الجماعية وطرق مكافحتها .
  • د. دوللي حمد ، جريمة الابادة الجماعية .
  • د. محمد فاروق صادق الاعرجي ، المحكمة الجنائية الدولية : طبيعتها ونشأتها ونظامها الاساسي .
  • gulan_media.com الموقع الالكتروني