قياس أثر التشريعات والصياغة التشريعية وأثرهما في وضع مشروعات القوانين

الملخص التنفيذي

لقد أثبتت التجربة العملية منذ تشكيل الحكومة الأولى عام 2006 بعد صدور الدستور العراقي عام 2005 إن هناك إخفاقاً واضحاً من قبل السلطتين التنفيذية والتشريعية في تقديم مشروعات ومقترحات القوانين الأصلية التي تغطي حاجات المجتمع العراقي ، وإن معظم مشروعات القوانين المقدمة من قبل السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية لم تأخذ الدراسات المعمقة من حيث الآلية التي يمكن من خلالها التعرف على تاثير التطبيق المتوقع للتشريع قبل وضعه موضع التنفيذ أو الاحاطة بأبعاد التشريع وجوانبه إحاطة شاملة لتصنيف المزايا والتكاليف المتحملة لتطبيقة ، وهذا ما يسمى بقياس أثر التشريع الذي أخذت به معظم التشريعات الحديثة.

وتبرز المشكلة بان أغلب المشروعات المقدمة من قبل الحكومة والبرلمان طوال الدورتين الإنتخابيتين السابقتين جاءت متبعة لأساليب التجربة ولم تتبع عملية قياس الأثر التشريعي، وبالتالي فأنها جاءت عن نظرة سطحية غير مدركة لآليات صنع القرارات أو التشريعات قبل إصدارها ، فضلاً عن تجاهل التكاليف الإقتصادية والإجتماعية والأمنية والسياسية المترتبة على العمل بالتشريع بعد وضعه موضع التطبيق العملي، وفي هذا المجال قامت العديد من  الدول المتقدمة بتقنين عملية قياس أثر التشريع ومأسسته،  ومن الواضح إن على السلطتين التنفيذية والتشريعية عند وضع مشروعات القوانين الإلتزام بأصول الصياغة التشريعية التي هي عبارة عن عملية ضبط الأفكار في عبارات محكمة موجزة وسليمة كي تكون قابلة للتنفيذ ، وأن بعض البلدان لاسيما الخاضعة للنظام الإنكلوسكسوني أوجدت جهازاً خاصاً في الدولة يتألف من صائغين متخصصين في القانون يتولون أعمال كتابة النصوص القانونية

وفي العراق ومن التجربة العلمية وخلال الدورتين الإنتخابيتين السابقتين الأولى والثانية لم يؤسس مجلس الوزراء أي وحدة أو لجنة أو دائرة أو قسم تقوم بقياس الأثر التشريعي، وكذلك الحال ينطبق على الوزارات أو الهيئات المستقلة، ولم يشكل مجلس النواب طوال ثمان السنوات من العمل التشريعي أية دائرة أو مكتب أو قسم أو شعبة أو وحدة تتولى عملية قياس أثر التشريعات، ولم نجد أية اهتمام من قبل السلطتين التنفيذية والتشريعية في عملية الصياغة التشريعية للقوانين، إذ لايتوفر لا في مجلس الوزراء أو رئاسة الجمهورية أي وحدة أو قسم أو دائرة مختصة في الصياغة التشريعية ، فالمشروعات تأتي من الوزارات والهيئات والمؤسسات، وترفع إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء التي لاتحوي أي مختصين أو خبراء في الصياغة التشريعية ، ولكنها تحيل تلك المشروعات التي غالباً مايعروها النقص والغموض والركاكة في الصياغة إلى مجلس شورى الدولة ، والذي هو الآخر يعاني من نقص الخبرات،  وكذلك يتبين مدى الضعف الواضح في الصياغة التشريعية  للمقترحات التي يتم تقديمها من قبل اللجان البرلمانية أو أعضاء مجلس النواب العراقي ، إذ عادةً ما يكون الإقتراح البرلماني في مجلس النواب صادراً عن فكرة عارضة وتتسم بسوء الصياغة وتعارض المعاني والتضارب والتداخل فيما ين المصطلحات ، والتأثيرات في النصوص، إذ لا يمتلك مجلس النواب الأجهزة الفنية المطلوبة من الإستشاريين والقانويين مع ضعف الإمكانات والخبرات المتوفرة.

لذلك سلطنا الضوء في هذه الدراسة على تلك المحاور وتوصلنا الى نتائج وتوصيات كان من أهمها تقنين عملية قياس أثر التشريع  والصياغة التشريعية ومأسستهما سواء في مجلس الوزراء والبرلمان من خلال وحدات متخصصة أو مكاتب أو لجان أو دوائر وأقسام ، وتفعيل دور مستشاري هيأة الرئاسة لاسيما مستشار شؤون التشريع وإستشاريي مكاتب الرئيس ونائبيه واستشاريي اللجان من الفنيين والقانونيين وبشكل حقيقي وجاد بضرورة المراجعة الشاملة لكافة المشروعات وإبداء آرائهم وملاحظاتهم ومقترحاتهم لغرض إيجاد الحلول والبدائل وتصويب العملية التشريعية كما ورد في ( الخطة التنفيذية لاستراتيجية تطوير اداء مجلس النواب 2014 – 2018  )  الواردة ضمن الهدف الاول من هذه الاستراتيجية والمتعلق بتحسين القدرة التشريعية، وتعزيز مشاركة فئات مختصة مثل الخبراء القانونيين والفنيين بمجال مشروعات ومقترحات القوانين المعروضة امام المجلس واساتذة الجامعات والمختصين ونخب من منظمات المجتمع المدني المختصة ، وشرائح معنية بتلك المشروعات لتقديم ملاحظاتهم ووجهات نظرهم، وغيرها من التوصيات الهامة الاخرى.

 

 

 

المحور الأول

  دور السلطة التنفيذية في قياس اثر التشريعات والصياغة التشريعية

لاشك أن جودة التشريع تتأثر بمدى كفاءة الإعداد ودراسة الآثار المحتملة ، أو المصاحبة لتطبيقه ، والتعرف على نتائجه المتوقعة منه ، ومناقشة البدائل المتاحة للتنفيذ أو لتغير السياسات، بمعنى أنه كلما تم التعرف على تأثير التطبيق المتوقع للتشريع قبل وضعه موضع التنفيذ ، كلما إنعكس ذلك بشكل إيجابي على التطبيق الجيد ، وساهم أيضاً في توفير بيئة مناسبة من المتابعة  والمسائلة والشفافية من ناحية ، وزيادة المشاركة المجتمعية لتحديد الأولويات والإختيار بين البدائل المختلفة ، ومن ثم تحقيق الرضا أو الإجماع على السياسات والتشريعات وإضفاء الشرعية عليها([1]).

وفكرة التشريع لا  تأتي من فراع ، وإنما يجب أن يستدعي المجتمع إنشاءها أو يفرض رغبته في إصدارها طبقا لمطالبه وحاجاته ، وعادةً ما تبدأ الفكرة من المجتمع، ويكون التشريع الإجتماعي متوافقاً مع مصلحة أو مطالب عامة أو لفئة معينة ، ثم يأتي دور الصائغ بعلمه بالقواعد اللغوية والفنية ليجسدها في ” مشروع تشريع ” ولهذا نجد في النظام المصري مثلاً إن الحكومة ملزمة بعرض مشروع القانون على قسم التشريع بمجلس الدولة لمراجعته دستورياً وفنياً قبل عرضه على البرلمان ، كما نجد أن المجلس الدستوري في فرنسا يقوم بمراجعة التشريعات قبل إصدارها ، ويراقبها بعد صدورها أيضاً ([2]) .

ومن هنا يتبين لي أنه على الحكومة عندما تريد أن تضع مشروع قانون ، عليها أن تقيس أثر ذلك المشروع من حيث الضرورات والعوائد والأعباء والصلاحيات وآليات تطبيق أو تنفيذ ذلك القانون .

ويتفق أغلب الفقهاء في هذا المجال بأن دور قياس الأثر في العملية التشريعية يمر بخمسة مراحل : أولها أن تكون هناك مشكلة معينة ولابد من تعريفها، وهل أن التشريع هو التصرف المناسب لحل هذه المشكلة ، والمرحلة الثانية هي مرحلة التشاورات، أي أن على الحكومة التأكد من الوصول إلى أكبر قدر من المعنيين بالتشريع ، أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة إعداد التشريعات التي تتضمن آلية وضع المشروعات، وهل تقوم تلك التشريعات المقترحة بمعالجة المشكلة على نحو كاف، والمرحلة الرابعة هي مرحلة إعادة تقييم التشريع أثناء نظره، وهل لازال يلبي الأهداف المرجوة، والمرحلة الأخيرة مرحلة مراقبة التشريعات النافذة ، وهل لا زال التشريع يحقق فوائده ، وبدون تكاليف غير متوقعة ([3]) .

وهنا يتضح لي أن على الحكومة عند وضعها التشريعات أن تقوم بدءاً بتحديد البدائل المختلفة، والتأكد من الوصول من خلال التشاورات إلى أكبر قدر من المعنيين ، والتأكد من توازن الفوائد التي يحققها التشريع مع التكاليف، وينبغي على واضع النصوص القانونية تحديد أهم القطاعات المتاثرة بالتشريع ، وبمعنى آخر أن هناك عناصر مشتركة في التجارب المقارنة  لقياس الأثر تقوم بها السلطة التنفيذية عند وضع مشروعات القوانين، تبدأ بالغرض من مشروع القانون ، ثم أهداف هذا القانون ، ثم البدائل إن أمكن وجودها ، وقياس التكلفة من هذا المشروع والعوائد المرجوة منه ، والتشاورات أو الاستشارات مع الأطراف المعينة بالمشروع ، وماهية النتائج التي خرج بها واضع النص، والعنصر الأخير هو التطبيق وتنفيذ القانون ومن ثم تقييمه .

ويضيف الدكتور علي الصاوي بأن على السلطة التنفيذية عند وضع مشروعات القوانين مراعاة الأسئلة الحاكمة في قياس أثر التشريع، وهي هل تم تحديد المشكلة بشكل صحيح، وتبريرات سياسة الحكومة ، وهل أن التشريع المقترح هو أفضل الحلول وله أساس دستوري، وما هو الوقت المناسب لطرح التشريع وتنفيذه، وماهية عوائده وهل هي أكثر من تكاليفه، وهل لدى جميع الأطراف المعينة الفرصة لتقديم آرائهم، وكيف يمكن تحقيق الإمتثال بالتشريع عند إقراره ([4])

ومن الجدير ذكره أن هناك الكثير من  الدول المتقدمة قامت بتقنين عملية قياس أثر التشريع، ففي جمهورية التشيك ، وكوريا ، والمكسيك ، تتم عملية قياس الأثر وفقاً لقانون صادر يجعل قياس أثر التشريع أحد المكونات الأساسية للتشريع ويكون ملحقاً به ، أما في الولايات المتحدة الأمريكية يتم تطبيقه بأمر رئاسي يتبعه قانون لتنظيم كيفية تطبيق هذا الأمر ، أما في أُستراليا والنمسا وفرنسا وإيطاليا وهولندا يتم تطبيق قياس أثر التشريع وفقا لمبادئ توجيهية من مجلس الوزراء ، أما في كندا وفنلندا واليابان والمجر ونيوزلندا والنرويج وبولندا والمانيا والبرتغال والسويد والدنمارك ، يتم تطبيق قياس أثر التشريع إستنادا إلى قرار حكومي أو توجيه سياسي أو قرار من مجلس الوزراء([5]).

وقد قامت دول أخرى بمأسسة قياس أثر التشريع، ففي بريطانيا تم تأسيس وحدة متخصصة بمكتب رئيس الوزراء تتضمن لجنة من الوزراء المختصين باعداد التشريعات وإدارة فرعية لضمان عدم تأثر الصناعات الصغيرة بأي تشريع([6]) ، أما في الولايات المتحدة الأمريكية تم تشكيل مكتب المعلومات والشؤون التشريعية للقيام بقياس الأثر ، أما في هولندا وأستراليا فهناك وحدات متخصصة بذلك ، أما في كوريا فهناك لجنة رئاسية تشريعية تقوم بعملية قياس أثر التشريعات[7]، وفي الدنمارك يوجد في مجلس الوزراء مكتب لقياس أثر التشريعات يعمل بالتعاون مع البرلمان[8] .

أما في العراق فلم يتم لحد الآن إعتماد أو تقنين عملية قياس أثر التشريعات، ولم يؤسس مجلس الوزراء أي وحدة أو لجنة أو دائرة أو قسم تقوم بقياس الأثر التشريعي، وكذلك الحال ينطبق على الوزارات أو الهيئات المستقلة.

وتأسيساً على ذلك، نجد أن أغلب المشروعات المقدمة من قبل الحكومة طوال الدورتين الإنتخابيتين السابقتين جاءت متبعة لأساليب التجربة ولم تتبع عملية قياس الأثر، وبالتالي فأنها جاءت عن نظرة سطحية غير مدركة لآليات صنع القرارات أو التشريعات قبل إصدارها ، فضلاً عن تجاهل التكاليف الإقتصادية والإجتماعية والأمنية والسياسية المترتبة على العمل بالتشريع بعد وضعه موضع التطبيق العملي ، وخير مثال على ذلك فأن الحكومة قد قدمت مشروع قانون الحماية الإجتماعية، ومشروع قانون منحة التلاميذ واللذان تم التصويت عليهما في مجلس النواب، ولم يتم تطبيقهما أو تنفيذهما لأنه لم تتم دراسة التكلفة والعائد من التشريع في مرحلة صنع القرار بشكل صحيح ولم يكن هناك أي إجراء لقياس أثر التشريعات .

ومن الواضح إن على السلطة التنفيذية عند وضع مشروعات القوانين الإلتزام بأصول الصياغة التشريعية التي هي عبارة عن عملية ضبط الأفكار في عبارات محكمة موجزة وسليمة كي تكون قابلة للتنفيذ ، لذلك يجب الحذر عند الخلط ولو غير المتعمد بين الصائغ (Drafter) والمشرع (Legislator) فالأول هو مصمم فني، والأخير هو صانع القرار .

وصياغة التشريع تحتاج إلى مهارة وخبرة بالعلوم القانونية من ناحية، كما تتطلب دراسة وإستيعاب أولويات السياسة التشريعية من ناحية أخرى ، فالقاعدة القانونية مكونة من عنصرين : الأول هو المادة أو المضمون أو الجوهر ، والثاني هو الشكل الذي يتمم العنصر الأول ويجسده ، ومن خلالهما يتحول المضمون إلى نص قانوني ليكون صالحاً للتطبيق العملي عند إصداره ، وهذا مايسمى بالصياغة القانونية أو التشريعية ، وبقدر ماتكون هذه الصياغة سليمة وصحيحة بقدر ماتزداد فرص نجاح القاعدة القانونية في الواقع العملي([9]) .

ويلاحظ أن هناك مبادئ وعناصر أساسية لابد للصائغ من مراعاتها، أولها أن لكل تشريع إسماً ورقماً وتاريخاً لابد من ذكرها في صدر التشريع ، ومراعاة التبويب المنطقي للتشريع ومبدأ تدرج القواعد القانونية في الدولة والتي تنتظم في هرم قانوني ويكون الدستور في قمته ، ومراعاة السياسة التشريعية في البلد، أي لابد أن يتوافق التشريع مع سياسة الدولة العامة ([10]).

وينبغي مراعاة الالتزامات الدولية والإطلاع على أحكام المعاهدات والإتفاقيات الدولية حتى لايأتي المشرع بنصوص مخالفة لها ، ولابد أن يطلع الصائغ على التشريعات السابقة ويراعي وحدة التشريع والمصطلحات والتعابير القانونية ، مع مراعاة حجم التعديل المطلوب إدخاله على التشريع في حالة لجوء المشرع إلى تعديل التشريع النافذ، بحيث إذا فاق التعديل حجم التشريع يكون لزاماً على الجهة طالبة التشريع تقديم مشروع جديد يلغي التشريع النافذ ويضع أحكاماً جديدة محلها.

ويضيف البعض بوجوب توافر مستلزمات التنفيذ، إذ أن كل تشريع يحتاج إلى مستلزمات مادية وبشرية لتنفيذه، ولهذا فإن على الصائغ أن يتأكد من توافرها حتى لايتعذر تنفيذ التشريع بعد صدوره فيصبح شبيهاً بالكتابة على الماء([11]).

كما وتعد من العناصر الأساسية تحديد الجهات المنفذة للتشريع والمسؤولية عن تنفيذ التشريعات ، وتحديد تاريخ نفاذ تلك التشريعات، وهذا مانصت عليه المادة (130) من دستور جمهورية العراق على أن (تنشر القوانين في الجريدة الرسمية ويعمل بها من تاريخ نشرها ما لم ينص على خلاف ذلك) ([12]).

ويضيف الدكتور(غازي فيصل ) بأنه لأجل إعداد قوانين عالية الجودة غنية المعنى في العراق لابد أن يتسلح الصائغ بسلاحين، وهما اللغة العربية الفصحى والمنطق القانوني ، إذ أن القانون وسيلة لتحقيق هدف مرتجى، وهذه الوسيلة يجب أن تأتي واضحة المعنى بنيّة المراد، فلا بد من عدم الوقوع في الأخطاء اللغوية، ووضوح المصطلحات والعبارات المستخدمة في النص حتى يفهمها المخاطبون بأحكامه، وبالتالي قطع دابر الإجتهادات بشأنها ، وتجنب التكرار في الأحكام والإطالة في العبارات، أو إيراد نصوص لايمكن تطبيقها ، ولابد أن يلتزم الصائغ بقواعد المنطق القانوني وإستيعابها بوعي وبصيرة لأنها تعمصه من الوقوع في الخطأ وتجنبه الإنزلاق في التناقضات ([13]) .

ومن مقتضيات الصياغة التشريعية عدم إلغاء النصوص القانونية السابقة إلغاءً ضمنياً لأنه يثير الإشكالات ويقدح الإختلافات، ومن ثم لايحقق للقانون الجديد إستقراراً، ولا للإفراد المخاطبين به أمناً واطمئناناً، ومن المقتضيات الأخرى تجنب المفعول الرجعي للقانون، أي أن لايكون التشريع ذا أثر رجعي ماعدا الأوضاع الإستثنائية التي تستدعي تحقيق مصلحة حيوية تستحق الرعاية قبل صدور القانون، لأن الأثر الرجعي يزعزع المراكز القانونية المستقرة، ويخل بالأمن القانوني وهذا لايليق بالمشرع سلوكاً ([14]).

كما ويجب على الصائغ إحترام الحقوق المكتسبة التي لايجوز للمشرع أن ينال منها إلا استثناءً وفي أضيق نطاق ، لأن إحترام الحقوق المكتسبة أصبح مبدئاً من المبادئ العامة للقانون ، وهو محل حماية القانون إذا تولد عن قرار إداري واكتسب درجة الثبات، ولم يُسحب من جانب الإدارة تغليباً لمبدأ إستقرار الأوضاع والمراكز القانونية على مبدأ المشروعية ، لذا لا يليق بالمشرع أن يسلب الحق المذكور تحت أية ذريعة ([15]).

ومن المقتضيات الأخرى التي ينبغي مراعاتها هو الإكثار من الصياغة المرنة للنصوص القانونية لأنها تُمكّن القاعدة القانونية من الإستجابة لمتغيرات الظروف وتفريد الحالات ، وتتيح بالتالي للقاضي حرية التقدير وإمكانية الموائمة ([16])، وكذلك تحقق العدالة القائمة على المساواة الحقيقية التي تأخذ بالظروف والإعتبارات الثانوية، فلم تترك شاردة أو واردة يقتضيها تطبيقها إلا وأحصتها، وبذلك يتحقق الهدف الأسمى ويشيع الأمن والإستقرار في نفوس الأفراد، ويستوفون حقوقهم من قسطاس مستقيم ([17]) ، في حين أن الصياغة الجامدة تحقق العدل القائم على المساواة الظاهرة التي تأخذ بالإعتبارات والظروف الرئيسة فيتساوى الأكثر فقراً مع الأكثر ثراءاً .

كما ويجب على الصائغ الإهتمام بالأسباب الموجبة للقانون، لأنها تُلقي الضوء على فلسفة التشريع ، ولها الدور في توضيح النصوص القانونية، والمساهمة في حسن تفسير النصوص ، وتعمل على تسهيل المهمة في تطبيق القانون .

إذن يتبين أن للأسباب الموجبة للقانون أهمية قصوى لأنها تبين الدواعي والأسباب التي دعت المشرع إلى إصدار القانون وفي ضوء مضامينها يمكن تجلية النصوص التي يلغها الغموض أو يعروها القصور ([18]).

وتجدر الإشارة إلى أن بعض البلدان لاسيما الخاضعة للنظام الإنكلوسكسوني أوجدت جهازاً خاصاً في الدولة يتألف من صائغين متخصصين في القانون يتولون أعمال كتابة النصوص ووضع الأسباب الموجبة ، أو هيئات أعضاؤها مستشارين متخصصين في الصياعة التشريعية، ففي المنظور الكندي يطلب في الصائغ إضافةً إلى ماتقدم ، أن يكون حائزاً على الدبلوم أو الماجستير في الصياغة التشريعية، وقد أتم دراسات في اللغات أو في الترجمة ، وأن يكون عالماً في المصطلحات القانونية وخبيرا في النظام القانوني المقارن، وأن يكون على ثقافة قانونية شبه كاملة (دستورية – قانون عام – قانون خاص)([19]) .

وفي العراق لم نجد أية اهتمام من قبل السلطة التنفيذية في عملية الصياغة التشريعية للقوانين، إذ لايتوفر لا في مجلس الوزراء أو رئاسة الجمهورية أي وحدة أو قسم أو دائرة مختصة في الصياغة التشريعية ، فالمشروعات تأتي من الوزارات والهيئات والمؤسسات، وترفع إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء التي لاتحوي أي مختصين أو خبراء في الصياغة التشريعية ، ولكنها تحيل تلك المشروعات التي غالباً مايعروها النقص والغموض والركاكة في الصياغة إلى مجلس شورى الدولة ، والذي هو الآخر يعاني من نقص الخبرات ، إذ لا يحوي هذا المجلس سوى (16) خبيراً أو مستشاراً ([20]) مختص بالنظر بالدعاوى المحالة إليهم من الوزارات والمؤسسات ، والبعض الآخر مختص بالصياغة التشريعية للقوانين المحالة اليهم ، وبطبيعة الحال فأن هذا العدد لايكفي للنظر وصياغة مشروعات القوانين المرسلة إليهم ،لاسيما وأن المنظومة القانونية بعد التغيير عام 2003 بحاجة إلى عدد كبير من القوانين .

ومن الجدير ذكره أن مشروعات القوانين التي تُرسل من مجلس شورى الدولة إلى مجلس النواب ، ومن خلال تجربتي العملية في قسم الصياغة التشريعية في دائرة البحوث والدراسات في مجلس النواب بحكم أن هذا القسم هو المختص بالنظر في تلك المشروعات وإبداء الرأي والملاحظات القانونية ، عادةً ما نجد أن ترد الكثير من النصوص في مواد تلك المشروعات يشوبها الغموض والنقص والتكرار أو الخطأ في الصياغة اللغوية تارةً ، أو تأتي المشروعات بدون أن يذكر نطاق سريان القانون أو لم يذكر المشرع تعاريفاً للتعابير المتكررة، أو يخلط بين الأهداف والمهام أو يورد الأهداف دون أن يذكر الوسائل اللازمة لتحقيق الأهداف ، أو لم يحدد الجهة التي تنفذ القانون تارةً أخرى ، بالإضافة إلى أن الكثير من المشروعات تكون فيها الأسباب الموجهة التي شُرع لأجلها القانون مقتضبة وموجزة لا تتناسب مع أهمية وحجم القانون المقترح ، ولم تتضمن جميع الدواعي والأسباب التي دعت المشرع إلى إصدار القانون في ضوء مضامين النصوص .

ويؤخذ على المشرع العراقي خلال الدورتين الإنتخابيتين الأولى والثانية قد صادر بعض الحقوق المكتسبة في بعض القوانين التي شُرعت وتمت المصادقة عليها ، مما يعد ذلك خرقاً للقواعد القانونية وتهديداً لإستقرار الأوضاع والمراكز القانونية ، وبالتالي قد أضر بسمعة المشرع العراقي الذي كان الأجدى به أن يخدم تلك الحقوق المكتسبة .

 

 

 

دور البرلمان في قياس أثر التشريعات والصياغة التشريعية

تمثل فلسفة التشريع للنائب البرلماني أهمية خاصة ، حيث أنها تعتبر حجر الأساس لأحد أهم وظائف البرلمان وهي التشريع ، ويأتي ذلك بشكل مباشر عن طريق استنباط واكتشاف الفلسفة الحقيقية لمشروعات القوانين المقدمة من الحكومة للبرلمان ، أو مراعاة فلسفة القانون عند صياغة النائب لإقتراحه للقوانين ، وبشكل غير مباشر عن طريق توجيه النائب للبرلمان بضرورة مراعاة الفلسفة الخاصة بالدستور عند سن أي قانون باعتبار إن الدستور هو قمة الهرم التشريعي ، وكذلك فإن البرلمان يجب عليه إعمالاً لوظيفته الرقابية أن يقوم بمراقبة الحكومة في مدى تحقيق اللائحة التنفيذية لفلسفة القانون التي صدرت تلك اللائحة تنفيذاً له([21]) .

فمن مقومات التشريع الجيد تمكّن النواب من صنع التشريعات من خلال التشاور مع المجتمع والتأثير فيه بشفافية ومعرفة المصالح العامة المستهدفة بالتشريع ، ولابد للنائب عند وضع مقترحات القوانين ومناقشة المشروعات المطروحة ، أن يعرف بشكل واضح الأمور الجديدة التي تضمنتها تلك المشروعات والمقترحات ، ومدى التوازن بين أعباء التشريع وعوائد تطبيقه وتوقيت تنفيذه ، وآليات إنفاذ التشريع أي وصف كامل لأبعاد التشريع ([22]) ، ويقع على عاتق عضو البرلمان في هذا المجال أن يحدد أبرز الأحكام الواردة في التشريع مثل الأوامر والجزاءات وآليات الإنفاذ ، وعليه أن يشخص الأطراف المعنية بالتشريع من أصحاب المصلحة ودورهم في إنفاذ التشريع ومن يمثلهم وكيفية الإتصال بهم ، وأن يقوم بتشريح مواد التشريع لقياس آثارها كل مادة على حدة ، ومعرفة نوع التكليف أو المشكلة ومن هو المكلف أو الجهة المستفيدة ([23]) ، وينبغي على النائب عند مناقشة المشروعات والمقترحات قيامه بالتشاورات مع الخبراء وأصحاب العلاقة والمصلحة من مشروع القانون لمعرفة أبعاد هذا المشروع العملية وتأثيراته اللاحقة بشكل صحيح ، لا سيما في المشروعات ذات التكاليف المالية والإدارية ، إذ يقع على النائب معرفة الأعباء الإدارية التي تفرضها الأدوات التشريعية قبل الإفراط في إستخدامها ، وحصر البيانات والإحتياجات الفعلية من هذه البيانات والذي يتطلب معرفة شاملة لعدد المستفيدين من التشريع ([24]) .

وهناك أسئلة حاكمة على النائب مراعاتها والإلتزام بها عند مناقشته لمشروعات ومقترحات القوانين ، وهي ضرورة تعريف المشكلة أو المشكلات التي وضع التشريع من أجل معالجتها وتحديد أعراضها وعدم الخلط بين العرض والمرض ، ومعرفة فترة ظهورها ولماذا ظهرت ، والأطراف المتاثرين بها ، والأضرار الناجمة والمترتبة عنها ، ومعرفة هل هناك تشريع يتعلق بالمشكلة أو أجزاء منها ([25]) .

كما وينبغي على عضو البرلمان عند المناقشة معرفة وتحديد البدائل وبلورتها سواء أكانت بدائل تشريعية أم إجرائية ، أو بقاء الوضع على ما هو عليه وهو ما يعرف بالبديل (صفر) ، وهذا يتطلب تحديد معايير المفاضلة بين البدائل ، وفي حالة تبني البديل التشريعي يكون على النائب ضرورة بيان وتحديد مراجعة التشريع في وقت معين ووفق شروط معينة ([26]) .

ومن جانب آخر لابد أن يفرق النائب بين الغاية من التشريع وأهدافه ، لإن الإنحراف عن فلسفة التشريع أثناء صياغته يُعد لغواً يجب أن يتنزه المشرع عنه لأنه يؤدي إلى إنتاج تشريعات لا تلبي إحتياجات المجتمع ، بل ويمكن أن يكون في أسوء الحالات إذا كان موجهاً لأهداف وغايات أخرى كأن تكون غايات سياسية ، معولاً لهدم المقومات السياسية والإقتصادية والإجتماعية للمجتمع، كما ويجب على النائب مراعاة التدرج المرحلي للأهداف العامة ( العدالة ، الأمن القانوني ، المنفعة العامة ) ، والأهداف الخاصة وفقا لأقسام التشريع ( التشريعات الجنائية والعقابية ، مدنية وتجارية ، دستورية وإدارية ، إقتصادية وإستثمارية ) وبناءً على ذلك فإن النائب البرلماني يجب أن ينظر إلى نوعية التشريع لكي يحدد أهدافه ([27]) .

ويضيف الدكتور( علي الصاوي ) بأن قياس أو تقييم اثر التشريعات يساعد صانع القرار ولا يحل محله ، فهو أداة للمساعدة في تصميم وتطوير السياسات من خلال تحديد وتقييم المشاكل المطروحة وبلورة الأهداف المرجوة ، واكتشاف الخيارات الرئيسية لتحقيق تلك الأهداف ، وتحليل آثارها المحتملة على المجالات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والبيئية ، وهنا تبرز اهمية قياس الأثر بالنسبة للبرلماني في فهم وفحص المقترحات السياسية للحكومة ، والتحول من أسلوب إتخاذ القرار القائم على عنصر القانونية إلى أسلوب يرتكز على الدلائل ، ومن ثم يساعد على تقييم وتعديل مشروعات ومقترحات الحكومة والتعرف على آراء الأطراف المعنية الذي يوضح مبررات إتباع البدائل وتقديم المعلومات الواضحة ([28]) .

كما ويجب على النائب عند مناقشة مشروعات القوانين أن يلتفت إلى وجود المذكرة الإيضاحية للمشروعات باعتبارها أحد المصادر المهمة في تفسير التشريع ، وتحتوي على غايات التشريع وأهدافه الخاصة والعامة ، وفلسفة هذا التشريع وربطها بنصوص القانون بشكل واضح ودقيق لا يقبل اللبس ، ومن ثم يجيء ليلبي إحتياجات المجتمع ، وهنا يكون لزاماً على البرلماني قراءة المذكرة الإيضاحية بشكل جيد ، إلا أنه يجب عدم الإعتماد عليها في تفسير مشروع القانون لأنها في أحيان كثيرة لا تلتزم بالمعايير العلمية القانونية في كتابتها وصياغتها ([29]).

ومن خلال ما تقدم يتبين لنا أن قياس أثر التشريع هو الآلية التي يتمكن من خلالها عضو البرلمان عند وضعه مقترحات القوانين ومناقشتها ومناقشة مشروعات القوانين المقدمة من الحكومة ، معرفة التأثير المتوقع من تطبيق التشريع قبل وضعه موضع التنفيذ ، أي القياس يكون للآثار المحتملة للتشريع قبل إصداره ، وأثناء حياة التشريع ( مدة سريانه ) ، وبذلك يساعد صانع القرار السياسي على تحديد وإدراك التأثيرات المحتملة للحلول المقترحة لمعالجة المشكلات المطروحة، إذ أن التحكم بالمشكلة يتطلب التمكن من قياس أثرها وبيان حجمها ، ومن ثم إتخاذ قرارات فاعلة وصحيحة لحلها .

ومن جانب آخر نعتقد أنه لابد من التمييز بين التقييم والقياس ، فالتقييم هو الرؤية السياسية للتشريع المبنية على آراء السياسيين الموجودين في الحكومة والبرلمان، أي هو عمل سياسي محض وذاتي معني بترويج السياسيين لتطبيق القانون من خلال آراء المواطنين ، في حين أن القياس وسائل كمية يضعها البرلمان من خلال المستشارين والخبراء والباحثين لأجل معرفة أثر التشريع، أي هو عمل علمي موضوعي وهو الذي يقود التقييم لا العكس من ذلك ، وهنا المشرع (البرلماني) يعمل على ردم الفجوة كونه ممثل لإرادة الشعب ما بين التقييم كقرار سياسي وبين قياس أثر التشريع القائم على الجانب العلمي المستند إلى الحقائق ، إذ تستخدم مقاييس كثيرة لقياس أثر التشريع منها ما هو كمي مثل التكلفة ، ومنها ما هو نوعي مثل درجة رضا الأفراد ، وبذلك يتم قياس كل الآثار المحتملة للتشريع بصورة شمولية ومستقلة بعيداً عن تاثيرات الأحزاب السياسية.

وفي العراق ومن التجربة العلمية وخلال الدورتين الإنتخابيتين السابقتين الأولى والثانية، لم نشاهد تجربة حقيقية وجادة لأعضاء مجلس النواب كما ذكر من قياس وتقييم لأثر التشريعات ، ويرجع السبب في ذلك إلى التقاطعات السياسية والإختلافات فيما بين الكتل السياسية ، وكذلك ندرة الخبرات والإختصاصيين من الفنيين والمستشارين الذين يعدون العنصر المستدام والساند لعمل مجلس النواب ،ولم يشكل مجلس النواب طوال ثمان السنوات من العمل التشريعي أية دائرة أو مكتب أو قسم أو شعبة أو وحدة تتولى عملية قياس أثر التشريعات، إلا انه في نهاية الدورة الإنتخابية الثانية عام 2014 تم تشكيل ( قسم لقياس أثر التشريع ) تابع لمكتب مستشار البحث والتطوير لهيأة رئاسة مجلس النواب ، ولم تحدد هيكليته، ولاتوجد فيه سوى موظفة واحدة ، ولم يقدم لحد كتابة هذه السطور أية أعمال في عملية قياس أثر التشريع.

وتجدر الإشارة إلى أن النائب في البرلمان عند مناقشته لمشروعات ومقترحات القوانين، ضرورة أن يلتفت إلى الصياغة التشريعية السليمة، ومنها سلامة اللغة ، فإن الخطأ اللغوي قد يؤدي إلى إشكال قانوني ، ويقتضي أن تكون اللغة علمية وموضوعية وحيادية ، أي لغة سليمة محترمة وبعيدة عن الزخرف ، وواضحة تجنب التفسير، وإن الوضوح يحول دون تباين الإجتهاد ، وأن تكون اللغة مكثفة ومكتنزة تحمل الكثير في القليل ، وبالتالي فإن النائب هنا باعتباره صائغاً للقوانين يجب أن يكون لديه رؤية باللغة السليمة للوصول إلى السياسات التشريعية ذات القصد العلمي والموضوعي والهيبة ([30]) ، كما وينبغي على النائب عدم الإسهاب في الصياغة لأنه يوقع الجهات التنفيذية في حيرة عند التطبيق ([31]) ، ويجب على النائب عدم الإستعجال في صياغة تشريع القوانين لأنها تؤدي إلى أخطاء ، ومن ثم التضخم التشريعي ، وهذا يقودنا في النهاية إلى التعديل ([32]).

ومن خلال الواقع العلمي للمقترحات التي تم تقديمها من كل اللجان البرلمانية أو أعضاء مجلس النواب العراقي أثناء الدورتين الإنتخابيتين السابقتين الأولى والثانية يتبين مدى الضعف الواضح في الصياغة التشريعية لتلك المقترحات ، إذ عادةً ما يكون الإقتراح البرلماني في مجلس النواب صادراً عن فكرة عارضة وتتسم بسوء الصياغة وتعارض المعاني والتضارب والتداخل فيما ين المصطلحات ، والتأثيرات في النصوص ، فلم تكن في أغلب الاحيان دراسات جدية في اللجان البرلمانية لجوانب المشروعات ومواضيعها وعلاقتها بالمشروعات والمقترحات الأخرى المتشابهة التي يعالجها المقترح أو التشريع المطروح للمناقشة ونتائجه المحتملة ثم يأتي بعد ذلك الصياغة القانونية الدقيقة التي تستهدف إبراز معانية بوضوح وتحول دون تعارض أحكامه ([33]) .

هذا ويتبين لنا ضعف الإمكانات والخبرات المتوفرة في مجلس النواب من المستشارين والخبراء، إذ لا يمتلك مجلس النواب الأجهزة الفنية المطلوبة من الإستشاريين والقانويين في اللجان البرلمانية لأن الموارد البشرية الموجودة في دوائر البرلمان والتي تعتبر الأجهزة الساندة لعمل الأعضاء تخضع للمحاصصة السياسية والحزبية للتعيين في المجلس وحسب الكتل والأحزاب السياسية والمكونات الرئيسية في العملية السياسية ، الأمر الذي أدى إلى تغييب الكفاءات وأصحاب الخبرة عن العمل في المجلس ، ومن ثم التأثير سلباً على أعضاء المجلس ولجانه البرلمانية، فحسب بيانات الدائرة الإدارية في مجلس النواب يوجد ما يقارب ( 71 % ) من الموظفين والعاملين في دوائر المجلس ممن هم في الشهادة الإعدادية والمتوسطة ، وعدد لايستهان به ممن هم بدون مؤهل

التوصيات

1- على الحكومة  ومجلس النواب عندما يريدان  أن يضعا مشروع قانون ، عليهما أن يقيسا أثر ذلك المشروع من حيث الضرورات والعوائد والأعباء والصلاحيات وآليات تطبيق أو تنفيذ ذلك القانون من خلال مراحل قياس الاثر في العملية التشريعية ، وبتحديد البدائل المختلفة، والتأكد من الوصول من خلال التشاورات إلى أكبر قدر من المعنيين ، والتأكد من توازن الفوائد التي يحققها التشريع مع التكاليف مع مراعاة الأسئلة الحاكمة في قياس أثر التشريع، وهي هل تم تحديد المشكلة بشكل صحيح، وتبريرات سياسة الحكومة ، وهل أن التشريع المقترح هو أفضل الحلول وله أساس دستوري، وما هو الوقت المناسب لطرح التشريع وتنفيذه، وماهية عوائده وهل هي أكثر من تكاليفه، وهل لدى جميع الأطراف المعينة الفرصة لتقديم آرائهم، وكيف يمكن تحقيق الإمتثال بالتشريع عند إقراره.

2- ينبغي على واضع النصوص القانونية تحديد أهم القطاعات المتاثرة بالتشريع ، وبمعنى آخر أن هناك عناصر مشتركة في التجارب المقارنة  لقياس الأثر تقوم بها السلطة التنفيذية عند وضع مشروعات القوانين، تبدأ بالغرض من مشروع القانون ، ثم أهداف هذا القانون ، ثم البدائل إن أمكن وجودها ، وقياس التكلفة من هذا المشروع والعوائد المرجوة منه ، والتشاورات أو الاستشارات مع الأطراف المعينة بالمشروع ، وماهية النتائج التي خرج بها واضع النص، والعنصر الأخير هو التطبيق وتنفيذ القانون ومن ثم تقييمه .

3 – تقنين عملية قياس أثر التشريع  والصياغة التشريعية ومأسستهما سواء في مجلس الوزراء والبرلمان من خلال وحدات متخصصة أو مكاتب أو لجان أو دوائر وأقسام، وينبغي وضع شروط محددة لمن يعمل في الصياغة التشريعية مثل الصائغين المتخصصين في القانون الذين يتولون أعمال كتابة النصوص ووضع الأسباب الموجبة ، أو هيئات أعضاؤها مستشارين متخصصين في الصياعة التشريعية، أو اشتراط أن يكون حائزاً على الدبلوم أو الماجستير في الصياغة التشريعية، وقد أتم دراسات في اللغات أو في الترجمة ، وأن يكون عالماً في المصطلحات القانونية وخبيرا في النظام القانوني المقارن، وأن يكون على ثقافة قانونية شبه كاملة (دستورية – قانون عام – قانون خاص).

4- ينبغي على النائب عند مناقشة المشروعات والمقترحات قيامه بالتشاورات مع الخبراء وأصحاب العلاقة والمصلحة من مشروع القانون لمعرفة أبعاد هذا المشروع العملية وتأثيراته اللاحقة بشكل صحيح ، لا سيما في المشروعات ذات التكاليف المالية والإدارية ، إذ يقع على النائب معرفة الأعباء الإدارية التي تفرضها الأدوات التشريعية قبل الإفراط في إستخدامها ، وحصر البيانات والإحتياجات الفعلية من هذه البيانات والذي يتطلب معرفة شاملة لعدد المستفيدين من التشريع.

4 – تفعيل دور مستشاري هيأة الرئاسة لاسيما مستشار شؤون التشريع وإستشاريي مكاتب الرئيس ونائبيه واستشاريي اللجان من الفنيين والقانونيين وبشكل حقيقي وجاد بضرورة المراجعة الشاملة لكافة المشروعات وإبداء آرائهم وملاحظاتهم ومقترحاتهم لغرض إيجاد الحلول والبدائل وتصويب العملية التشريعية كما ورد في ( الخطة التنفيذية لاستراتيجية تطوير اداء مجلس النواب 2014 – 2018  )  الواردة ضمن الهدف الاول من هذه الاستراتيجية والمتعلق بتحسين القدرة التشريعية.

5 – دعم دوائر ولجان المجلس بشكل عام ، ولا سيما قسم الدراسات القانونية والصياغة التشريعية بشكل خاص بالمختصين من القانونيين في الصياغة التشريعية، فالقسم بحاجة الى أكثر من ( 20 ) باحث قانوني.

6 – تعزيز مشاركة فئات مختصة مثل الخبراء القانونيين والفنيين بمجال مشروعات ومقترحات القوانين المعروضة امام المجلس واساتذة الجامعات والمختصين ونخب من منظمات المجتمع المدني المختصة ، وشرائح معنية بتلك المشروعات لتقديم ملاحظاتهم ووجهات نظرهم وهو ما يصطلح على تسميته في الوقت الحاضر بـــــ ( قياس اثر التشريع ) ، من خلال اعتماد اللجان على وسائل التواصل الاجتماعي التي تساهم مساهمة كبيرة في تفاعل الناس مع العمل البرلماني ومعرف ردود افعالهم وتلقي وجهات نظرهم وبتم ذلك من خلال التوسع باقامة الحلقات النقاشية وورشات العمل مع تلك الفئات ومن خلال الموقع الرسمي للمجلس ووسائل تواصل أخرى.

 

 

المصادر

 

1- د. كريم السيد عبد الرزاق – ورقة مقدمة للمؤتمر الاول للتطوير البرلماني حول قياس اثر التشريع – القاهرة ، بدون سنة الطبع .

2- د. علي الصاوي – الصياغة التشريعية للحكم الجيد – ورقة خلفية لحلقة النقاش التي ينظمها برنامج الامم المتحدة الالماني – مجلس النواب اللبناني – بيروت – 2003 .

3- د. علي الصاوي – قياس اثر التشريع – ورقة عمل مقدمة للمعهد الديمقراطي الدولي في الدورة المقامة لباحثي دائرة البحوث في مجلس النواب العراقي – اربيل – شباط 2014 .

4- د. حمدي عبد العظيم – قياس كلفة التشريع – المؤتمر الاول للتطور البرلماني – القاهرة – 2013 .

5 – غازي ابراهيم الجنابي – دليل الصياغة التشريعية – ط1، بغداد، 2012 .

6- احمد عبد الهادي – فلسفة التشريع وانعكاسها على وظيفة البرلمان – ورقة عمل مقدمة الى المؤتمر الاول للتطوير البرلماني ، مجلس الشعب ،القاهرة ، 2013 .

7- د. علي الصاوي – قياس اثر التشريع – ورقة عمل مقدمة الى المعهد الديمقراطي الدولي في اربيل ، 2014.

8 – هاتف محسن وفراس جاسم- تقرير قياس اثر التشريع- مجلس النواب، دائرة البحوث، 2014 .

9- عبدالله محسن جايد – ورقة عمل عن قياس اثر التشريع مقدمة الى قسم البحوث  – دائرة البحوث ، مجلس النواب ، 2014 .

10- د. علي الصاوي ، قياس تقييم اثر التشريعات ، كراس مقدم الى موظفي دائرة البحوث في الدورة المقامة في المعهد الديمقراطي الدولي في اربيل ، 2013 .

11- اصيل سلمان داود ، ورقة عمل مقدمة الى قسم البحوث عن قياس اثر التشريع ، مجلس النواب ، 2014.

12- د. كوثر دابش ، تقرير مقدم الى ورشة عمل حول الصياغات التشريعية بالتعاون مع منظمة ويستمنتر البريطانية ، عمان ، 2014 ، ص7 .

13- د. حنان القيسي ، حقوق وواجبات اعضاء مجلس النواب العراقي ، دراسة في دستور 2005 والنظام الداخلي ، بيت الحكمة ، ط1 ، 2011 ، بغداد .

14 –  د. وسيم منصوري ود. طوني عطا الله وديفد اليوت – دليل التحليل التشريعي – مجلس النواب اللبناني بالتعاون مع الاتحاد الاوربي، 2011،

15 -اصول الصياغة التشريعية- مجلس النواب اللبناني، الملف الخامس والعشرون، المديرية العامة للدراسات والمعلومات، مشروع برامج الامم المتحدة الانمائي، 2008.

16 – دليل الصياغة التشريعية – منشورات مجلس النواب العراقي، ط1، بغداد ،2012.

17 – تقرير ورشة عمل الصياغات التشريعية ، الامانة العامة لمجلس النواب بالتعاون مع منظمة ويستمنتر البريطانية ، عمان ، 2014 .

18 -مقابلة للباحث مع  المستشارة جيسكا دي مونتيناي – مستشارة في مكتب رئيس الوزراء البريطاني في ورشة عمل عن الصياغة التشريعية وقياس اثر التشريع في عمان برعاية منظمة ويستمنستر البريطانية 2014 أثناء حضور الباحث في هذه الورشة.

19 – مقابلة للباحث مع رئيس مكتب قياس أثر التشريعات في مجلس الوزراء الدنماركي في كوبنهاكن أثناء زيارة الباحث الى المجلس المذكور والبرلمان الدنماركي في 12 / 3 / 2015 .

20 – مقابلة مع السيد رئيس مجلس شورى الدولة السابق غازي الجنابي في ورشة عمل اقامتها منظمة دار الخبرة لمناقشة بعض مشروعات القوانين في فندق المنصور ميليا في بغداد بتاريخ   17/3/2015 .

 

([1] ) د. كريم السيد عبد الرزاق – ورقة مقدمة للمؤتمر الاول للتطوير البرلماني حول قياس اثر التشريع – القاهرة ، بدون سنة الطبع ، ص1.

([2] ) د. علي الصاوي – الصياغة التشريعية للحكم الجيد – ورقة خلفية لحلقة النقاش التي ينظمها برنامج الامم المتحدة الالماني – مجلس النواب اللبناني – بيروت – 2003 – ص 6.

([3] ) د. علي الصاوي – قياس اثر التشريع – ورقة عمل مقدمة للمعهد الديمقراطي الدولي في الدورة المقامة لباحثي دائرة البحوث في مجلس النواب العراقي – اربيل – شباط 2014 ص9.

([4] ) د. علي الصاوي – قياس اثر التشريع – المصدر السابق – ص 12 .

([5] ) د. حمدي عبد العظيم – قياس كلفة التشريع – المؤتمر الاول للتطور البرلماني – القاهرة – 2013 ص5 .

([6]) مقابلة للباحث مع  المستشارة جيسكا دي مونتيناي – مستشارة في مكتب رئيس الوزراء البريطاني في ورشة عمل عن الصياغة التشريعية وقياس اثر التشريع في عمان برعاية منظمة ويستمنستر البريطانية 2014 أثناء حضور الباحث في هذه الورشة.

[7] ) د. علي الصاوي – قياس أثر التشريع – المصدر السابق – ص 13 .

[8]) مقابلة للباحث مع رئيس مكتب قياس أثر التشريعات في مجلس الوزراء الدنماركي في كوبنهاكن أثناء زيارة الباحث الى المجلس المذكور والبرلمان الدنماركي في 12 / 3 / 2015 .

 

([9]) د. علي الصاوي – الصياغة التشريعية للحكم الجيد ، المصدر السابق ، ص5-6 .

([10]) اصول الصياغة التشريعية- مجلس النواب اللبناني، الملف الخامس والعشرون، المديرية العامة للدراسات والمعلومات، مشروع برامج الامم المتحدة الانمائي، 2008، ط1، 20-21 .

([11]) دليل الصياغة التشريعية – منشورات مجلس النواب العراقي، ط1، بغداد ،2012، ص24 .

([12]) دليل الصياغة التشريعية – المصدر نفسه – ص25 ؛ غازي ابراهيم الجنابي – دليل الصياغة التشريعية – ط1، بغداد، 2012 ، ص11-12 .

([13]) د. غازي فيصل – دليل الصياغة التشريعية – ط1، بغداد، 2011، ص3-5 .

([14]) د. وسيم منصوري ود. طوني عطا الله وديفد اليوت – دليل التحليل التشريعي – مجلس النواب اللبناني بالتعاون مع الاتحاد الاوربي، 2011، ص25-26؛غازي فيصل– دليل الصياغة،المصدر السابق  – ص7 .

([15]) د. غازي فيصل ، دليل الصياغة التشريعية – المصدر السابق، ص8 ؛ غازي الجنابي – دليل الصياغة التشريعية ، المصدر السابق ، ص36 .

([16]) د. علي الصاوي – الصياغة التشريعية للحكم الجيد ، المصدر السابق ، ص12 .

([17]) د. غازي فيصل – دليل الصياغة التشريعية- المصدر السابق – ص9 .

([18]) د. غازي فيصل – دليل الصياغة التشريعية – المصدر السابق ، ص8 .

([19]) اصول الصياغة التشريعية ، مجلس النواب اللبناني – المصدر السابق – ص101-102 .

([20]) أكد لي السيد رئيس مجلس شورى الدولة السابق غازي الجنابي ذلك خلال اللقاء  في ورشة عمل اقامتها منظمة دار الخبرة لمناقشة بعض مشروعات القوانين في فندق المنصور ميليا في بغداد بتاريخ   17/3/2015 ، أن عدد المستشارين لا يتجاوز 16 ، وأربعة منهم يختصون بعملية التدوين القانوني المتعلق بالصياغة التشريعية.

([21]) احمد عبد الهادي – فلسفة التشريع وانعكاسها على وظيفة البرلمان – ورقة عمل مقدمة الى المؤتمر الاول للتطوير البرلماني ، مجلس الشعب ،القاهرة ، 2013 ، ص2 .

([22]) د. علي الصاوي – قياس اثر التشريع – ورقة عمل مقدمة الى المعهد الديمقراطي الدولي في اربيل ، 2014 ، ص602 .

([23]) هاتف محسن وفراس جاسم- تقرير قياس اثر التشريع- مجلس النواب، دائرة البحوث، 2014 ،ص1 – 2 .

([24]) عبدالله محسن جايد – ورقة عمل عن قياس اثر التشريع مقدمة الى قسم البحوث  – دائرة البحوث ، مجلس النواب ، 2014 ، ص3 .

([25]) د. علي الصاوي ، قياس تقييم اثر التشريعات ، كراس مقدم الى موظفي دائرة البحوث في الدورة المقامة في المعهد الديمقراطي الدولي في اربيل ، 2013 ، ص2 .

([26]) اصيل سلمان داود ، ورقة عمل مقدمة الى قسم البحوث عن قياس اثر التشريع ، مجلس النواب ، 2014 ، ص2 .

([27]) احمد عبد الهادي – فلسفة التشريع – مصدر سابق ، ص2-4 .

([28]) د. علي الصاوي – قياس اثر التشريع – المصدر السابق – ص5-6 .

([29]) احمد عبد الهادي – فلسفة التشريع – المصدر السابق – ص5 .

([30]) تقرير ورشة عمل الصياغات التشريعية ، الامانة العامة لمجلس النواب بالتعاون مع منظمة ويستمنتر البريطانية ، عمان ، 2014 ، ص6؛ ( من مشاهدات وحضور الباحث للورشة ).

([31]) غازي الجنابي – المصدر السابق – ص4 .

([32]) د. كوثر دابش ، تقرير مقدم الى ورشة عمل حول الصياغات التشريعية بالتعاون مع منظمة ويستمنتر البريطانية ، عمان ، 2014 ، ص7 .

([33]) د. حنان القيسي ، حقوق وواجبات اعضاء مجلس النواب العراقي ، دراسة في دستور 2005 والنظام الداخلي ، بيت الحكمة ، ط1 ، 2011 ، بغداد ، ص50 .