كيف تعاملت اللجنة المالية مع أضخم موازنة في تاريخ العراق
لم يكن الوضع الاقتصادي والسياسي طبيعياً أبداً حين تسلمت اللجنة المالية مسودة قانون الموازنة في ١٠/١/٢٠٢١ ، والتي تعتبر الأضخم في تاريخ موازنات الدولة العراقية . فقد فرضت جائحة كورونا على العالم أجمع ، بل وحتى أقوى الأنظمة الاقتصادية شروطها من كارثة صحية تبِعتها أزمة اقتصادية ومالية خانقة لم يسلم منها العراق بطبيعة الحال ، بل وصل الأمر حد الاقتراض لسداد رواتب موظفيه .
ومن المفترض أن تراعي الحكومة حراجة الوضع وحجم الأزمة عند إعداد الموازنة ، في أن تكون ذات بعد اقتصادي تحوي على خطط تنموية وإصلاحية حقيقية تجنب البلاد والعباد الوقوع في مثل هكذا أزمات مستقبلاً ، أو على الأقل أن تحوي بعضاً من ورقة الاصلاح (البيضاء) التي تبنتها الحكومة ولاقت ترحيباً من الاوساط السياسية على مختلف مشاربهم ، بل كانت موازنة رخيمة واسعة الإنفاق كثيرة الاقتراض سواء داخلياً أو خارجياً لم يؤخذ فيها بنظر الاعتبار مخاطر تلك الخطوات وتبعاتها على الاجيال المقبلة في العراق.
كل ذلك وأكثر جعل اللجنة المالية في وضع لا يُحسد عليه ، فبين التعامل مع عجز بلغ ٤٤٪ واقتراض داخلي وصل إلى ٤٧ ترليون من البنك المركزي ، فضلاً عن شارع غاضب ينتظر بفارغ الصبر توفير أبسط الخدمات وفرص عمل وعيش كريم ، ما كان أمام المالية النيابية إلى أن تأخذ على عاتقها مسؤولية تصحيح المسار وتعيد كتابة ستراتيجية الموازنة وتتخذ قرارات مصيرية وإجراءات إصلاحية سريعة وعاجلة وشاملة تضع الدولة العراقية على المسار الاقتصادي الصحيح .
وضعت اللجنة المالية كل هذه التحديات على طاولة اجتماعاتها لتبدأ مارثوناً امتدت إلى ٤٥ اجتماعاً بواقع ٥٠٠ ساعة عمل واستضافة أغلب وزراء الحكومة و أكثر من ٣٠٠ مسؤول حكومي وجميع المحافظين ودراسة مئات البيانات والجداول بشكل مستفيض وتستمع في اجتماعات مطولة مع ديوان الرقابة المالية على تقارير مفصلة ، فضلاً عن عقد ندوات مع اكاديميين واقتصاديين ونقابات ومختصين في القطاع الخاص ، للتمكن من تخفيض العجز إلى ١٩ ٪ فقط وتحافظ على احتياطي العملة في البنك المركزي من خطر الاقتراض وتضمن مواداً تحفز الاقتصاد الوطني وتدعم المصارف الزراعية والصناعية والعقارية للنهوض بتلك القطاعات التي ستضمن خلق الاف من فرص العمل .
مع خفض الإنفاق وتقليص العجز في أضيق الحدود تمكنت اللجنة من رفع الموازنة الاستثمارية التي كانت فوضوية وغير واضحة ، حيث اتخذت اللجنة قراراً بتخصيص مبالغ للمشاريع المتلكئة والمتوقفة في المحافظات وتخصيص ٤٠٠ مليار دينار لبناء ميناء الفاو الكبير ومضاعفة تخصيص البترودولار الى (واحد ترليون) للمحافظات المنتجة للنفط ، وزيادة تخصيصات تنمية الاقاليم وتوفير تخصيص لإنشاء مطار الموصل وتأهيل مداخل العاصمة بغداد ومشروع ماء البدعة في البصرة .
فيما يخص ملف العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان تناولت اللجنة المالية الموضوع بشكل فني ومهني بعيداً عن البعد السياسي ، حيث تمكنت ولأول مرة من الجمع بين ديواني الرقابة المالية الاتحادي والاقليم ودراسة كافة البيانات واستضافت وزير النفط اكثر من مرة مما مكنها من وضع العديد من الخيارات التي تضمن حقوق الشعب العراقي وبشكل عادل ومرضي للطرفين .
الدائرة الإعلامية
مجلس النواب
٢٠٢١/٢/١٠