دائرة التشريع النيابية و حوكمة التشريعات

أُسست دائرة التشريع النيابية في أواخر نيسان من عام 2021 لتكون أول دائرة متخصصة في تقنين التشريعات من حيث صياغتها التشريعية وقياس الآثار المترتبة على تشريعها وفقاً لأحدث معايير الجودة المعتمدة عالمياً. وبناء عليه اخذت على عاتقها ومن خلال اقسامها الفنية الخمسة متابعة سير الاجراءات التشريعية لمشروعات ومقترحات القوانين كافة من أولى خطواتها التشريعية لغاية نشرها في الجريدة الرسمية ، وفي خضم تلك المراحل تقدم الدائرة تدقيق لمشاريع القوانين وإعادة صياغتها بما يواءم توجهات اللجان المعنية بتشريعها وصياغة مقترحات القوانين المقدمة وفقاً للمتطلبات الدستورية فضلاً عن قياس الاثار المحتملة (السابقة) او المترتبة( اللاحقة) على تشريعها بغية ضمان فعاليتها في تغطية الاسباب الموجبة لإصدارها بما يتفق وتوجهات السياسة التشريعية والبرامج الحكومية التي تصدر في ظلها تلك التشريعات.

وعلى هذا الأساس تروم دائرة التشريع النيابية تبني تطبيق مفهوم الحوكمة التشريعية في عملها، وذلك من خلال ([1]) استحداث مسارات قانونية جديدة تضمن جودة التشريعات وحداثتها وفعاليتها في معالجة القضايا التي شُرعت من اجلها ، ليس فقط بإتقان صياغتها شكلاً ومضموناً بل وبدراسة آثارها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى القضائية منها (أي ما يمكن ان يفرزه التطبيق العملي لنصوصها داخل أروقة وسوح القضاء وما يعكسه ذلك من تحقق العدالة المرجوة منها) .

والواقع ان اصل مفردة الحوكمة هي ترجمة للمصطلح الانكليزي (GOVERNANCE ) ، ولا يوجد تعريفاً جامعاً مانعاً شاملاً لها لظهورها في ميادين مختلفة كالميدان الاقتصادي والسياسي والاداري والقانوني، غير ان هذا لا يمنع انها لا تخرج عن مفهوم واحد في تلك الميادين كافة ، وهي انها عبارة عن ادوات ووسائل وآليات ومناهج تضمن تحقق الجودة والاتقان والتميز في الاداء من خلال تبني معايير حديثة ومحدثة يكفل وجودها تحقق تلك الصفات في اداء القطاع الذي يتبناها ([2]).

وبقدر تعلق الامر بالميدان التشريعي ، يمكن القول بأن الحوكمة التشريعية هي جملة المعايير والآليات و، بالتالي، المناهج التي تبنى عليها التشريعات لضمان الجودة والاتقان والتميز والواقعية والفاعلية والعدالة والشفافية فيها ، لما لمثل تلك التشريعات من آثار مهمة ([3]) على طريق الحكم الرشيد وسيادة القانون وتحقق الأمن القانوني.

وبناء عليه تقوم الحوكمة التشريعية على المعايير المهمة الآتية :-

  1. مراجعة النظام الداخلي لمجلس النواب وتعديله بما يضمن ازالة كل المعوقات التي تعترض المسار التشريعي لمسودات القوانين من مشاريع ومقترحات ، واقتراح السبل الكفيلة لزيادة فاعلية ذلك المسار على سبيل المثال ترسيخ فكرة جلسات الاستماع لتكون جزءاً من مراحل التشريع للقوانين ذات الطبيعة الاستراتيجية، وتقنين فكرة (دعوة) ذوي الشأن من الجهات الاخرى ذات الصلة بالعملية التشريعية وفقاً للدستور لمناقشة مشاريع ومقترحات القوانين بجلسات مشتركة، وهي آلية ابتدعتها اللجان النيابية لتبادل الخبرات ووجهات النظر مع الجهات المعنية، فضلاًعن مراجعة مدونة السلوك النيابي لتنضيج المنظومة الخاصة بالسلوك النيابي داخل قبة المجلس سعياً لأداء شفاف أمثل يرضي الشعب عن ممثليه ويعزز الثقة فيما بينهم ، وستطرح دائرة التشريع النيابية مبادرة في غضون الايام القليلة القادمة للبدء بهذا المشروع لوضع اولى ركائز الحوكمة التشريعية موضع التنفيذ، علماً ان الدائرة قد شرعت مسبقاً بخطوات مهمة على هذا الطريق فأعدت ما يعرف بالنموذج الموحد للتقرير التشريعي و مذكرة البيانات القانونية ، والتي سيجري بصددهما إجتماعا مع مستشاري اللجان النيابية بالتعاون والتنسيق مع دائرة الشؤون النيابية .
  2. وضع برامج تدريب وتطوير السادة النواب الجدد على المفاهيم الدستورية والقوانين والانظمة المرعية في اداء مهامهم النيابية، لضمان اداء اكثر فاعلية يتوافق مع طموح الجماهير الانتخابية ويخدم مصالح البلد الاستراتيجية العليا .
  3. إعداد وتطوير الملاك الوظيفي للامانة العامة لمجلس النواب بشكل دائم، وهو ما يمكن تنفيذه بالتنسيق مع معهد التطوير البرلماني وبالاستعانة بالخبرات الاكاديمية والتخصصية المحلية منها والدولية لإجل ضمان اداء متميز وافضل يتناسب مع حجم المسؤولية التي يقوم بها مجلس النواب .
  4. (الأتمتة الالكترونية) للتشريعات والمخاطبات الداخلية والخارجية كافة ضماناً للسرعة والدقة والشفافية في إنجاز مهام واعمال المجلس وامانته العامة ، وهو ما تطمح ان تشارك في وضع خطته وانجازه دائرتنا دائرة التشريع النيابية بالتنسيق مع الجهات الفنية المعنية متى ما توفرت الامكانات المادية واللوجستية لتنفيذه.
  5. تبني معايير الجودة المعتمدة عالمياً في الصياغة التشريعية ووضع أسس موحدة لكل الجهات المعنية بالعملية التشريعية وفقاً للدستور، ضماناً لوحدة التشريع في البلد ومواءمته للسياسة التشريعية ومراعاته لاولويات البرنامج الحكومي، وفي هذا النطاق أعدت الدائرة الدليل اللغوي للصياغة التشريعية ، كما شرعت بمشروع الدليل الصياغي الموحد للجهات المعنية وهي مجلس النواب ومجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية ومجلس الدولة وعقدت عدة اجتماعات مع الجهات المذكورة لهذا الغرض ومن المؤمل ان يُبصر هذا الدليل النور قريباً ليسعف الحوكمة التشريعية بالادوات الفنية والموضوعية المطلوبة لاتقان العملية التشريعية جملة وتفصيلاً.
  6. قياس الاثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والادارية وكذلك القضائية للتشريعات قبل وبعد اصدارها بغية كفالة تحقيقها للغايات التي شرعت من اجلها بفعالية وواقعية وبعدالة وشفافية ، وهو ما يقوم به قسم قياس الاثر في الدائرة بالتعاون مع الاقسام المناظرة له في امانة المجلس ، وهو الان بصدد انجاز قياس اثر مشروعي الضمان الاجتماعي والتقاعد للعمال والتعليم الحكومي الخاص (الموازي) بعد ان ترد اجوبة المخاطبات الخارجية التي اجريت للجهات المعنية بخصوصهما، فضلاً عن عمله الدؤوب على إعداد (دليل قياس أثر التشريعات) ليكون نموذجاً معيارياً يتم الاستفادة منه في عمليات قياس أثر التشريعات . علماً ان هذا القسم سبق وان انجز احصائية المبادرة التشريعية والتي اثبتت الاحصاءات الرسمية الوادة فيها ان نسبة المبادرة التشريعية لمجلس النواب تقارب نسبة ال40% من مجمل القوانين الصادرة خلال هذه الدورة النيابية لغاية الان وهي نسبة تزيد عن النسب التي حققها معظم نظرائه العرب حسب ما ورد في مواقعهم الالكترونية الرسمية ووفق ما اشارت اليه تلك الدراسة .

ومن هذا المنبر ادعو جميع الاخوة والزملاء الحاضرين، كل حسب جهة عمله واختصاصه، الى التضافر والتكاتف لدق ركائز الحوكمة للمؤسسات الدستورية التشريعية للنهوض بالواقع التشريعي الذي بات يحتاج الى إصلاح في جوانبه كافة ، واخيراً،  وليس اخراً ، اسأل الله لنا جميعاً التوفيق في كل ما من شأنه خدمة بلدنا الحبيب .

 

(1) د. محمد حسين الدلال ، حوكمة التشريعات والقوانين ، مقال منشور على الموقع الالكتروني لجريدة القبس الكويتية وذلك على موقعها الالكتروني :-

https://www.alqabas.com/articles/

([2] ) احمد طلال عبد الحميد ود. مازن ليلو راضي،  الحوكمة التشريعية لتقييم الاداء الوظيفي ، بحث منشور في مجلة العلوم القانونية ، الصادرة عن كلية القانون /جامعة بغداد، العدد الخاص السادس ، 2019، ص 130.

(3)  د. خلف عبد الله الوردات، الحوكمة في القطاع العام ، مقال منشور على موقع مقال الالكتروني:-

https://mqqal.com/2017/02/