دور الخطاب الديني في تعزيز المصالحة الاخير

مما لاشك فيه أن العراق يحتاج اليوم الى تحقيق وتعزيز المصالحة الوطنية اليوم بعد أن مر بأزماتمجتمعيةحادة عبر التاريخ ، اتخذت صورا وأبعادا مختلفة حتى باتت تهدد وحدته الجغرافية والإقتصادية ونسيجه الإجتماعي وأمنه وإستقراره ، مما ولد ضرورة البحث عن حلول دائمة ومستقرة.

واحدى أهم الحلول بهذا المجال هو تنظيم الخطاب الديني الوسطي المعتدل الذي يدعوا الى وحدة المجتمع ، ونبذ الخلافات ، وتراكمات الماضي ، والتذكير أن الوحدة والوئام والتعايش السلمي والعفو عند المقدرة هيمن أهم مبادئ الأديان وعناصر قوتها لا ضعفها ، ومفردة المصالحة الوطنية اليوم هي تعبير سياسي اجتماعي بروح دينية .

ومن الواضح أن ملف المصالحة الوطنية ملف تكتنفه العديد من المعوقات التي تحد من تحقيق جميع غاياته ، وذلك يعود لأسباب كثيرة تاريخية وحالية منها : ترسبات الإستبداد السياسي في الحقب الماضية، وماحدث بعد التدخل الامريكي في العراق في عام 2003م من سن تشريعات، وتشكيل مؤسسات على أسس غير قائمة على حضور الماضي ومراعاة الحاضر و إستشراف المستقبل، والتقصير في ترسيخ الامن والاستقرار مواكبةً بخرق الحدود ووجود الفراغ الامني الذي سمح لقوى خارجية بالتدخل المباشر في الشأن العراقي واستهداف المواطنين على اساس الهوية الطائفية والدينية والخلفية العرقية من الارهابيين والجماعات المسلحة مماجعل الصراع الداخلي ذاطبيعة غير متجانسة تهدف الى شرخ المجتمع وتقسيمه على هذه الاسس واعادة رسم الخريطة الديموغرافية للبلاد وعدم وجود آليات وادارة واضحة للصراع قد ساعد في زيادة الصراعات الداخلية من حيث ارتفاع وتيرة العنف والارهاب والتهجير القسري والطوعي في مجتمعنا وأدت الى تفاقم مشكلة المهجرين والمهاجرين باختلاف اعراقهم وأديانهم داخل البلد وخارجه ،  وتصور وقناعة نسبة كبيرة من المجتمع العراقي أن التشكيلات والتحالفات بين الاطراف السياسية قائمة على الاستقطابات العرقية او المذهبية في عمومها وطغيان الاولوية للهوية العرقية والمذهبية على حساب الهوية الوطنية والولاء للوطن ، مع حداثة التجربة الديمقراطية في العراق وضعف حضور تجارب مقارنة لدى الفرد عما يمكن أن يكون لهذه التحالفات أمثلة في دول ومجتمعات أخرى ، من ثم نرى ضعف المحفز الوطني الشامل والجامع عند تطبيق البرامج السياسية لتلك التحالفات ، ونتيجة لتلك الصورة والظروف المذكورة، إنعكس ذلك على إدارة الدولة بكل مفاصلها السياسية والأمنية والإقتصادية والإجتماعية

وكل ماسبق يحتاج الى جانب مؤسسات أخرى معنية الى جهود المؤسسة الدينية والخطاب الديني في توجيه المجتمع توجيها يناسب حجم التحديات والمعوقات المذكورة .

ولا يمكن إغفال الدور الذي لعبته المرجعيات الدينية الرشيدة بمختلف مذاهبها في اتخاذ عديد من الإجراءات في هذا المجال منها :

  • التصدي للأفكار الضالة والمنحرفة التكفيرية ، وكذلك الأعمال الإجرامية التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية من خلال خطب الجمعة ، والمناسبات الدينية المتنوعة ، والمؤسسات الإعلامية الخاصة بالمراجع ، ودوواين الأوقاف ، والبرامج عبر وسائل الإعلام ، والإسهام في توعية الناس بمخاطر الفرقة والإنقسام والمخططات الخبيثة التي تحاك ضد الوطن والمواطن .
  • فتاوى وبيانات المرجعيات الرشيدة بمختلف مذاهبها حول  الأحداث ، كالتفجيرات مثل تفجير مرقد الأمامين العسكريين ، وجوامع ، ومشاهد ومزارات ، والإغتيالات لشخصيات دينية وسياسية وعلمية ووطنية ، من خلال إدانتها وتحريمها وبيان أنها تستهدف بيضة الإسلام ووحدة المسلمين وبث الفتنة بين أبناء الوطن الواحد.، واخرها فتوى الجهاد ضد احتلال داعش لمحافظات عراقية ، وجهاد أبناء المكونات المتنوعة  في المحافظات المحتلة .
  • المبادرات مثل الصلواة المشتركة ، والزيارات المتبادلة فيما بين الطوائف ، والأديان ، والأعراق ، التبرع بالأموال لمعالجة حالات المرضى والجرجى ، وإغاثة النازحين .
  • توجيه المؤسسات التابعة للمرجعيات الدينية في تنظيم برامج خاصة بتعزيز المصالحة الوطنية .

وغيرها كثير من الفاعليات .

وما مطلوب اليوم هو استثمار كل هذه الفاعليات باتجاه تطوير الخطاب والحراك الديني ، بما يعزز المصالحة الوطنية ،  مستثمرين نقطة مهمة جدا هي أن نسبة كبيرة من المجتمع العراقي من المتأثرين بالخطاب الديني ومؤسساته ، ويمكن في هذا الإطار توجيه المنابر والمؤسسات الدينية ، الإلتفاف خلف خطاب موحد وتنسيق حركة توجيه المجتمع بتأليف لجنة عليا مشتركة  من مختلف المراجع مختصة بتحديد الخطاب الديني وتوحيده بمواجهة كل المعوقات التيتحول دون تحقيق المصالحة الدينية ، وتتولى مهمة متابعة هذا الملف مع الجهات المعنية المحلية والدولية والوقوف موقفا موحدا تجاه مختلف الاحداث و واضعة نصب عينيها مصلحة الوطن قبل كل شيء ، مع استمرار المبادرات المذكورة انفا .