التوقيف ( الحبس الاحتياطي)

يعد التوقيف أو مايعبر عنه بالحبس الإحتياطي في كثيرمن التشريعات الإجرائية من أهم موضوعات قانون أصول المحاكمات الجزائية ، ذلك أنه يمثل نقطة نزاع جدلي بين مصلحتين شرعيتين متعارضتي، فمن ناحية الفرد يجب التسليم بأن كل انسان بريء حتى تثبت ادانته ،فلايجوز حرمانه من حريته قبل ذلك ،ولذا يبدو التوقيف السابق على الحكم بالإدانة انتهاكاً لحق أساسي يتعلق بحرية الفرد .ولكن من ناحية أخرى فإن هذا التعدي يكون شرعياً بواسطة  القانون الذي تضعه الدولة والذي يحدد شروط التوقيف وضوابطه والحالات التي يباشر فيها ،وذلك ابتغاء الحرص على حماية المصلحة العامة وتوفير الضمانات التي تلزم الدعوى الجزائية تحقيقاً للعدالة .

ولقد كان التوقيف أحد الموضوعات التي شغلت اهتمام المفكرين وهو أيضاً من أهم الموضوعات التي ترد في صلب نصوص القوانين الإجرائية المختلفة.

وعليه سنتناول في هذا البحث وفقاً للخطة الآتية :

المبحث الاول : التنظيم القانوني لمعاملة المتهمين و الموقوفين في العراق وبعض التشريعات العربية .

المبحث الثاني : أثر التوقيف او الحبس الاحتياطي عند الحكم بالبراءة .

المبحث الثالث :التعويض .

 

المبحث الاول : التنظيم القانوني لمعاملة المتهمين الموقوفين في التشريع العراقي وبعض التشريعات العربية .

اــــــ التوقيف في العراق

1ـ الاسس القانونية لحقوق المتهم في الدستور والقوانين العقابية

تضمن الدستور العراقي الصادر في سنه 2005 قواعد قانونية متعددة منها (لا جريمة ولا عقوبة الا بنص ، ولا عقوبه الا على الفعل الذي يعده القانون وقت اقترافه جريمة ، ولا يجوز تطبيق عقوبة أشد من العقوبه النافذة وقت ارتكاب الجريمة وفقاً للمادة (19 / ثانياً ))  .

كما أن الدستور منح المتهم حق الدفاع باعتباره عملا مقدساً ومكفول في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة وان المتهم بريئا حتى تثبت ادانته في محاكمة قانونية عادلة طبقا للمادة (19/5) ، وقد كفل الدستور الحق في ان يعامل كل فرد معاملة عادلة في جميع الاجراءات القضائية والادارية واعتبر أن عرض اوراق التحقيق الابتدائي على القاضي المختص خلال مدة لا تتجاوز اربعه وعشرين ساعة من حين القبض على المتهم ولا يجوز تمديدها الا مرة واحدة وفق المادة (19/13).

2ـ الضمانات القانونية الواردة في قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 المعدل

قانون العقوبات رقم (111) لسنه 1969 وفق المادة (1) من القانون ( لا عقاب على فعل أو امتناع الا بناء على قانون ينص على تجريمه وقت اقترافه ولا يجوز توقيع عقوبات او تدابير احترازية لم ينص عليها القانون ) ، هذا المبداء اوجب على المشرع تعيين الافعال التي تشكل جرماً جزائياً وتحديد العقوبه لكل من هذه الافعال وفي هذا محافظه على حرمة النفس والحرية الشخصية من التعسف ، أضافة الى الاحكام والنصوص الواردة في القانون خاصة في مراحل المحاكمة وحقوق المتهم المضمونه في هذه المرحلة .

3ـ حقوق المتهم في قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971

لقد جاء هذا القانون ليخلف قانون اصول المحاكمات الجزائية البغدادي الذي شرع من قبل القائد العام لقوات الاحتلال البريطانية واعتبر نافذ في 1/6/1971 وقد حدد الامور والاسس الاجرائية الجزائية فيما يخص حقوق المتهم في الدفاع عن نفسه واعتبرت النصوص في هذا المجال نصوص مقدسة لانها تضمنت بعض من الشرعه الدولية لحقوق الانسان , وان هذه القواعد القانونية الواردة في القانون ماهي في حقيقة الامر الا ايجاد توازن بين سلطة الدولة واجهزتها التنفيذية وضمان حقوق الفرد في الدفاع عن نفسه وايجاد الضمانات القانونية لقد تضمنت المادة

( 57 ) من القانون نصت على(ا– للمتهم وللمشتكي وللمدعي بالحق المدني وللمسؤول مدنيا عن فعل المتهم ووكلائهم ان يحضروا اجراءات التحقيق. وللقاضي او المحقق ان يمنع ايا منهم من الحضور اذا اقتضى الامر ذلك لاسباب يدونها في المحضر على ان يبيح لهم الاطلاع على التحقيق بمجرد زوال هذه الضرورة ولا يجوز لهم الكلام الا اذا اذن لهم، واذا لم ياذن وجب تدوين ذلك في المحضر.

ب – لاي ممن تقدم ذكرهم ان يطلب على نفقته صورا من الاوراق والافادات الا اذا راي القاضي ان اعطاءها يؤثر على سير التحقيق او سريته.

جـ – لا يجوز لغير من تقدم ذكرهم حضور التحقيق الا اذا اذن القاضي بذلك)يتضح من ذلك

ان للمتهم الحق في ان يحضر كافة الاجراءات التحقيقية الخاصة به والاطلاع على الاوراق التحقيقية وفق المادة المشار اليها اعلاه وللمتهم وللمشتكي والمدعي بالحق المدني والمسؤول

مدنيا عن فعل المتهم ووكلائهم ان يحظرو اجراءات التحقيق وللقاضي او المحقق ان يمنع ايا منهم من الحضور اذا اقتضى الامر ذلك يدونها في المحظر على ان يبيح له الاطلاع على التحقيق لمجرد زوال هذه الظرورة , ولا يجوز لهم الكلام الا اذا اذن لهم , واذا لم يأذن لهم وجب تدوين ذالك في المحظر , ولآي من هؤلاء ان يطلب على نفقته صورا من الاوراق والافادات الآ اذا رأى القاضي ان اعطاها يؤثر على سير التحقيق او سريته وفقاً للفقرة (ب) من المادة . اذاً المشرع جعل اصل جواز الاطلاع لذوي العلاقة ومنهم المتهم ووكلائهم على كافة الاجراءات التي يتخذها القاضي آلا اذا تعارضت مع المصلحة العامة وان يدون الاسباب التي جعلته عدم السماح لهؤلاء من الاطلاع عليها في المحضر منعا لتفسير المصلحة العامة تفسيرا شخصيا .

4ـ الاسس القانونية للقبض على المتهم وتوقيفه .

التوقيف :هو إيداع المتهم السجن فترة معينة تحدد في أمر التوقيف لضرورات التحقيق وضمان تنفيذ العقوبة (1), ولقد تضمنت المادة (92 ) من قانون اصول المحاكمات الجزائية ( لايجوز القبض على أي شخص او توقيفه آلا بمقتضى أمر صادر من قاضي او محكمة وفي الاحوال التي يجيزها القانون ) ،  ويجب ان يتضمن اسم المتهم ولقبه وهويته وأوصافه ان كانت معروفة ومحل اقامته ومهنته ونوع الجريمة المسندة اليه والمادة القانونية المنطبقة عليها وتاريخ الامر وتوقيع من اصدره وختم المحكمة وفق للمادة (93) من القانون المذكور(يشتمل الامر بالقبض على اسم المتهم ولقبه وهويته واوصافه ان كانت معروفة ومحل اقامته ومهنته ونوع الجريمة المسندة اليه ومادة القانون المنطبقة عليها وتاريخ الامر وتوقيع من اصدره وختم المحكمة ويجب اضافة الى البيانات المتقدمة ان يشتمل امر القبض على تكليف اعضاء الضبط القضائي وافراد الشرطة بالقبض على المتهم وارغامه على الحضور في الحال اذا رفض ذلك طوعا.) ،

كما ان المادة (112) نصت على ( على المحقق في الاماكن النائية عن مركز دارة القاضي ان يوقف المتهم في الجنايات. اما الجنح فعليه ان يطلق سراح المتهم فيها بكفالة وعليه في جميع الاحوال ان يعرض الامر على القاضي باسرع وسيلة ممكنة وينفذ ما يقرره في ذلك)

لقد أجاز القانون للمحقق في المناطق النائية حق اصدار اوامر القبض على المتهمين بالجنايات

وعليه ان يعرض الامر على قاضي التحقيق باسرع وقت ممكن , كما ان أوامر التوقيف تضمنت اسم الشخص الموقوف وشهرته ولقبه والمادة الموقوف بمقتضاها وتاريخ انتهائه وأن توقع من قبل القاضي الذي اصدر أمر التوقيف ويختم بختم المحكمة وفق للمادة (113)

( يشتمل الامر بالتوقيف على اسم الشخص الموقوف وشهرته ولقبه والمادة الموقوف بمقتضاها وتاريخ ابتداء التوقيف وتاريخ انتهائه ويوقع عليه القاضي الذي اصدره ويختم بختم المحكمة).

اما بخصوص الحد الاقصى لمدد التوقيف الا يزيد بأي حال على اكثر من 6 اشهر واذا اقتضى الامر تمديد التوقيف اكثر من المدة المشار اليها فعلى قاضي التحقيق عرض الامر على محكمة الجنايات لتأذن له بتمديد التوقيف مدة مناسبة على ان لا يتجاوز ربع الحد الاقصى للعقوبة او تقرر اطلاق سراحه بكفاله او بدونها وفق للمادة (109) من قانون اصول المحاكمات الجزائية

( ا – اذا كان الشخص المقبوض عليه متهما بجريمة معاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ثلاث سنوات او بالسجن المؤقت او المؤبد فللقاضي ان يامر بتوقيفه مدة لا تزيد على خمسة عشر يوما ف يكل مرة او يقرر اطلاق سراحه بتعهد مقرون بكفالة شخص ضامن او بدونها بان يحضر متى طلب منه ذلك اذا وجد القاضي ان اطلاق سراح المتهم لا يؤدي الى هروبه ولا يضر بسير التحقيق.

ب – يجب توقيف المقبوض عليه اذا كان متهما بجريمة معاقب عليها بالاعدام وتمديد توقيفه كلما اقتضت ذلك ضرورة التحقيق مع مراعاة المدة المنصوص عليها في الفقرة ا حتى يصدر قرار فاصل بشانه من حاكم التحقيق او المحكمة الجزائية بعد انتهاء التحقيق الابتدائي او القضائي او المحاكمة.

جـ – لا يجوز ان يزيد مجموع مدد التوقيف على ربع الحد الاقصى للعقوبة ولا يزيد باية حال على ستة اشهر واذا اقتضى الحال تمديد التوقيف اكثر من ستة اشهر فعلى القاضي عرض الامر على محكمة الجزاء الكبرى لتاذن له بتمديد التوقيف مدة مناسبة على ان لا تتجاوز ربع الحد الاقصى للعقوبة او تقر اطلاق سراحه بكفالة او دبونها مع مراعاة الفقرة ب).

 

ب ـــ التوقيف (الحبس الاحتياطى ) في بعض  الدو ل العربية .

التوقيف كإجراء خطير يمس حرية الفرد ،الامر الذي يوجب مباشرته من سلطة التحقيق المختصة ،التي تمتاز بالكفاءة والاستقلال وحسن التقدير ،الذي يطمئن  معه اتخاذ هذا الإجراء بشكل سليم(2) .

وفي الأردن، يختص المدعي العام باعتباره الجهة التي انيطت بها صلاحية التحقيق بالتوقيف ، فإذا أحيلت الدعوى الى المحكمة أصبح التوقيف من أختصاص المحكمة(3).

كما وحدد المشرع الأردني حالات التوقيف في الجرائم المعاقب عليها او بعقوبة أشد وهذا معناه ان التوقيف جائز في الجنايات والجنح والمخالفات ، ولايجوز التوقيف إذا كانت العقوبة هي الغرامة فقط ، وهذا مانصت عليه المادة (114) من قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني (1- بعد استجواب المشتكى عليه يجوز للمدعي العام ان يصدر بحقه مذكرة توقيف لمدة لا تتجاوز سبعة ايام اذا كان الفعل المسند اليه معاقباً عليه قانوناً بالحبس مدة تزيد على سنتين

ولمدة لا تتجاوز خمسة عشر يوماً اذا كان الفعل المسند اليه معاقباً عليه قانوناً بعقوبة جنائية وتوافرت الأدلة التي تربطه بالفعل المسند اليه، ويجوز له تمديد هذه المدة كلما اقتضت مصلحة

التحقيق ذلك على ان لا يتجاوز التمديد شهراً في الجنح وثلاثة اشهر في الجنايات المعاقب عليها قانوناً بعقوبة مؤقتة وستة اشهر في الجنايات الاخرى وعلى ان يفرج عن المشتكى عليه بعدها ما لم يتم تمديد مدة التوقيف وفق احكام الفقرة (3) من هذه المادة 0

2- تسري أحكام التوقيف والتمديد المشار اليها في الفقرة (1) من هذه المادة على المشتكى عليه المسند إليه إحدى الجنح المعاقب عليها قانوناً بالحبس مدة لا تزيد على سنتين في أي حالة من الحالتين التاليتين :-

أ- اذا كان الفعل المسند اليه من جنح الايذاء المقصود او الايذاء غير المقصود او السرقة 0

ب- اذا لم يكن له محل اقامة ثابت ومعروف في المملكة على ان يفرج عنه اذا قدم كفيلاً يوافق عليه المدعي العام يضمن حضوره كلما طلب اليه ذلك 0

3- اذا اقتضت مصلحة التحقيق قبل انتهاء المدد المبينة في الفقرتين السابقتين استمرار توقيف المشتكى عليه وجب على المدعي العام عرض ملف الدعوى على المحكمة المختصة بنظر

الدعوى وللمحكمة وبعد الاطلاع على مطالعة المدعي العام وسماع اقوال المشتكى عليه

او وكيله حول مبررات استمرار التوقيف من عدمه والاطلاع على اوراق التحقيق ان تقرر قبل انتهاء تلك المدة تمديد مدة التوقيف لمدة لا تتجاوز في كل مرة شهراً في الجنح وثلاثة اشهر

في الجنايات على ان لا يزيد مجموع التوقيف والتمديد في جميع الاحوال على اربعة  اشهر في

الجنح وعلى ربع الحد الاقصى للعقوبة  في الجناية المعاقب عليها قانونا بعقوبة مؤقتة ، او ان تقرر الافراج عن الموقوف بكفالة او بدونها في أي من تلك الحالات 0

4- للمدعي العام ان يقرر اثناء اجراءات التحقيق في الجرائم الجنحية والجرائم الجنائية المعاقب عليها قانوناً بعقوبة مؤقتة استرداد مذكرة التوقيف على ان يكون للمشتكى عليه محل اقامة ثابت

في المملكة ليبلغ فيه جميع المعاملات المتعلقة بالتحقيق وانفاذ الحكم  ).

الا ان المشرع الأردني وبموجب نص المادة (114) من قانون أصول المحاكمات الجزائية لم يحدد الحد الأقصى للتوقيف ، فقد أجاز للسلطة التحقيق تجديد مدة التوقيف دون تحديد نهاية له ، ونتمنى على المشرع الأردني تحديد نهاية لمدة التوقيف حتى لا يتحول الى اعتقال.

ونجد ان المشرع الأ ردني اشترط كضمانة ان يكون قرار التوقيف مبررا ومسببا ، وهذا ما نصت عليه المادة (111) من قانون أصول المحاكمات الجزائية بالقول (للمدعي العام في دعاوي الجناية والجنحة ان يكتفي بإصدار مذكرة حضور على ان يبدلها بعد استجواب المشتكي عليه بمذكرة توقيف إذا اقتضى التحقيق ذلك ).

وهذه المادة تماثل المادة (102)(4)من قانون أصول المحاكمات الجزائية السوري(1- لقاضي التحقيق في دعاوى الجناية و الجنحة ان يكتفي باصدار مذكرة دعوة على ان يبدلها بعد استجواب المدعى عليه بمذكرة توقيف اذا اقتضى التحقيق ذلك.

2- اما اذا لم يحضر المدعى عليه او خشي فراره فلقاضي التحقيق ان يصدر بحقه مذكرة احضار.) ،فنجد ان كلا النصين يقتضي لصدور أمر التوقيف في التحقيق، وجود مقتضى هو

سند قانوني هو الذي يخول المحقق إصدار أمر التوقيف.)

واشار المشرع الأردني الى حق اتصال  المتهم الموقوف بمحاميه ، وفقاً لنص المادة (66/2)من قانون اصول المحاكمات الجزائية التي تنص بالقول( ولا يشمل هذا المنع محامي المشتكى عليه الذي يمكنه من ان يتصل به في كل وقت وبمعزل عن أي رقيب ،الا اذا رأى المدعي العام خلاف ذلك ).

كما أكدت المادة (141)من قانون الإجراءات الجنائية المصري ذلك الحق بقولها (للنيابة العامة ولقاضي التحقيق في القضايا التي ينتدب لتحقيقها في كل الأحوال أن يأمر بعدم اتصال المتهم المحبوس بغيره من المسجونين ولا يزوره أحد وذلك بدون إخلال بحق المتهم بالاتصال دائما بالمدافع عنه بدون حضو ر أحد ). كما منح المتهم الحق في طلب إطلاق سراحه بتعهد مقرون بكفالة او بدونها ، في الحالات التي يجيز القانون فيها ذلك حماية للحرية الشخصية(5).

المبحث الثاني : أثر التوقيف او الحبس الاحتياطي عند الحكم بالبراءة

أن تعو يض المحكوم عليه بالادانة عن الايام التي قضاها مسلوب الحرية أثناء فترة التوقيف ، وهذا التعويض تمثل في خصم أيام التوقيف من مقدار العقوبة المحكوم بها عليه ، سواء كانت هذه العقوبة سالبة للحرية او عقوبة الغرامة ، وهو يعتبر نوعاً من الجبر عن المدة التي قضاها أثناء فترة توقيفه ، ولما كان الشخص  الذى صدر حكم بإدانته ثبت أنه مرتكب الجريمة المنسوبه اليه ، أى انه أخطا وبالتالى استحق العقاب عما اقترفته يداه ، إلاانه وفقاً لقواعد العدالة التى تسعى  إليها جميع التشريعات تقتضى وجوب تعويضه بخصم مدة الحبس الاحتياطى من مقدار العقوبة ، حتى لايبقى الانسان مسجوناً فترة تزيد عن المدة المقررة للعقوبة (6).

هذا بالنسبة للشخص المدان أى مرتكب الجريمة ، فما هو الوضع بالنسبة للشخص الذى يتهم بأرتكاب جريمة ويحبس احتياطياً سواء من قبل سلطة التحقيق الابتدائى أم من قبل جهة المحاكمة ، ثم يصدر  بعد ذلك حكم  براءته من التهمه المسند اليه أو يصدر أمر بأن لاوجه لإقامة الدعوى ضده ، فما مصير المدة التي قضاها هذا الشخص مسلوب الحرية ، وهو في الأساس بريئاً ولم يرتكب الجرم الذى نسب اليه ، أليس من الأولى على الأقل أن  يعوض عن هذه الفترة التي قضها في الحبس الاحتياطى ، فإنما هو الأحق من وجهة نظرنا بالتعويض عن الاجراءات التى تعرض إليها وأدت إلى سلبه حريته ، كما قدتكون قد تسببت له بأضرار فادحة تمسه في شخصه أو سمعته وعلاقاته الاجتماعية والعائلية وقد تحرمه من مصادر رزقه (7).

فالفترة التى قضاها الشخص في التوقيف كانت بدون سبب وبدون وجه حق وأنما هى لمجرد الشكوك بأنه مرتكب الجريمة ، وقد يقال أن الحكم بالبراءة لايزيل الشكوك فما تزال الظنون بأنه هو الذي ارتكب الجريمة لكن الأدلة غير كافية أو غير يقينية ولم تصل إلى قناعة القاضى لنسبتها الية . ولكن يرد على ذلك أن هناك حالات قد يحبس فيها الانسان لفترة من الزمن سواء طالت الفترة أم قصرت ،ثم يظهر بعد ذلك المتهم المذنب الحقيقي للجريمة المحبوس أحتياطياً فيها المتهم الأول ، لذلك فإنه من العدل أن يعطى الفرد الذى صدر حكم ببراءته أو صدر بحقه أمر بأن لا وجه لاقامة الدعوى ، الحق في المطالبة بالتعويض عن أضرار هذا الحبس الاحتياطى(8).

وذأ ما سلمنا بحق الفرد بالمطالبة بالتعويض عن الحبس الاحتياطى الصادر بحقه ، فمن هى الجهة التى يجب عليها الالتزام بالتعويض والرجوع عليها ،هل الجهة التى أصدرت هذا الامر متمثلاً فى الشخص نفسه الذى صدر عنه سواء كان عضو النيابة العامة أو قاضى المحكمة ، أم يتم الرجوع على الدولة بصفتها مسئولة عن أعمال السلطة القضائية ، وكيف ينظم طلب التعويض.

اختلفت وجهات النظر حول مدى جواز حق المتهم المحبوس احتياطياً الذى حكم بالبراءة أو صدر بحقة أمر بأن لاوجه لإ قامة الدعوى في المطالبة بالتعويض من عدمه ، فهناك رأى يرفض إعطاء هذا الحق  للفرد وأتى بالحجج التى يستند عليها فى عدم جواز المطالبة بالتعويض عن مدة التوقيف (الحبس الاحتياطى )، والرأى الاخر يؤيد حصول الفرد على هذا الحق وذلك على النحو التالى:

أولا ً : الرأى المعارض للمطالبة بالتعويض(9) :

أعترض هذا الرأى على منح الفرد حق المطالبة بالتعويض عن الفترة التى قضاها في الحبس الاحتياطى ، وذلك بالاستناد إلى الحجج التالية :

1ـ انه لكى يحافظ المجتمع على كيانه فلابد من اتخاذ بعض الاجراءات التى تحقيق العدالة في المجتمع ، حتى لو كانت هذه الاجراءات تتضمن الاعتداء على حريات الأشخاص في بعض الأوقات فهى ضرورية لتحقيق المصلحة العامة . وبما أن الفرد يعتبر عضواً فى المجتمع فإنه يتنازل عن بعض حقوقه ، ومن هذه الحقوق الحرية الشخصية وذلك في بعض الأحوال التى حددها التشريع ، فعليه تحمل بعض الاجراءات التى تتخذها الدولة من أجل تحقيق صالحه وصالح المجتمع الذى يعيش فيه ، ومن هذه الاجراءات الحبس الاحتياطى . فإذا اسفر التحقيق بعد ذلك عن براءته أو عدم ثبوت التهمة عليه ، فلا يحق له المطالبة بالتعويض لأنه لا يمكن مساءلة الدولة فى هذه الحالة ، لأن هذا الاجراء الذى اتخذ ضده يعتبر من اجراءات السيادة .

2ـ السماح بالمطالبة بالتعويض قد يؤدى الى نتائج سيئة بالنسبة للفرد ، لأنه عند المطالبة بالتعويض قد يحكم لصالحه او ترفض دعواه ، وهذا يودى إلى أن حكم البراءة السابق محل شك ويحتمل أن يكون دليلاً ضده لإعادة محاكمة . ويرى أن العدالة ليست في الحق بالتعويض بل فى سرعة الانتهاء من التحقيقات ، حتى لايستمر المتهم فترة طويلة فى الحبس الاحتياطى .

3ـ إعطاء الحق للفرد بالمطالبة بالتعويض سوف يؤدى إلى تعدد قضايا التعويض ، وازدحام المحاكم سواء كانت دعاوى التعويض بسبب او بدون سبب

4ـ براءة المتهم أو حفظ الدعوى عنه لاتعنى انه ليس من ارتكب الجريمة ، بل قد يكون لعدم كفاية الأدلة أو عدم اقتناع القاضى فكيف يستحق التعويض .

5ـ تقرير المسئولية يؤدى إلى ترددالمحققين والقضاء في توقيعه خوفاًمن المسئولية وهذا ليس فى صالح العدالة .

ثانياً : الاتجاه المؤيد للتعويض(10) :

الرأ ى الآخر الذى يرى ضرورة السماح للفرد بالمطالبة بالتعويض ، قام بالرد على هذه الحجج التى أتى بها الاتجاه الأول بالأمور التالية :

1ـ بالنسبة للحجة الأولى فيرد عليها بأنه إذا كان من حق المجتمع اتخاذ بعض الاجراءات ضد الفردمثل سلب الحرية ، فإنه من العدالة أيضاً تعويضه عن الاضرار التى لحقته بسبب هذا السلب إذا لم يثبت إدانته ، فالشخص له أيضاً حق على الدولة وهو تعويضه عن الضرر الذى أصابه ، ومثال ذلك من تنزع ملكية أرضه لصالح الدولة من أجل المصلحة العامة ، فهو يرضى بذلك مقابل تعويضه بأرض غيرها .

2ـ القول بأن السماح بالمطالبة بالتعويض قد يؤدى إلى أثار سلبية على الفرد فى حالة فشله فى الحصول على التعوبض ويشكل قرينه ضده ، فهذا لايبرر حرمان الذين يحكم لصالحهم .

3ـ القول بتعدد دعاوى المطالبة بالتعويض المعروضة على المحاكم يرد عليه بأن هذه المطالبة تعتبر حق من حقوق الانسان لدفع الظلم الذى وقع عليه أياً كان هذا الطريق الذى أدى إلى ظلمه . وبالتالى نشوء حق له مقابل هذا الظلم ولابد من استيفائه ، حتى ولو أدى ذلك إلى كثرة الدعاوى المطروحة للمطالبة بهذه الحقوق مثلها مثل باقى الدعاوى الأخرى .

4ـ القول أن تقرير المسئولية يجعل المحقق أو القاضى يترددعند توقيعه الاجراءات التى ينص عليها القانون خوفاً من المسئولية ، إنما يرد عليه بأن تقرير المسئولية يجعل القاضى يتروى ويدرس مدى ملائمة توقيع هذا الاجراء من عدمه ويوازن بين الأمور ، من اجل توقيع الأجراء الصحيح الذى لايؤدى إلى ظلم أى انسان ولايؤثر على التحقيق .

 

المبحث الثالث :التعويض

المبدأ : الأصل هو عدم جواز مساءلة القضاة مدنياً بسبب ما يصدر عنهم من أحكام وقرارات ، تأسيسا على أنه يجب أن يكون للأحكام القضائية التقديس والاحترام باعتبارها عنواناً للحقيقة ، ورغبة في تمكين القضاة من أداء واجباتهم الدقيقة بحرية واطمئنان ، فكثيراما تتخذ النيابة العامة إجراءات ضد بعض الأفراد فتتهمهم وتحقق معهم وتقبض عليهم وتفتش منازلهم وتأمر بحبسهم احتياطياعلى ذ مة التحقيق ،ثم ينتهى الأمر بالحفظ لعدم الجريمة او لعدم معرفة الفاعل الحقيقى اولعدم كفاية الأدلة وفي جميع هذه الحالات يصاب الأفراد بضرر من عمل القضاء ولايسال القضاة أو أعضاء النيابة مدنيا عما يصدر عنهم من قرارات وظلت قاعدة عدم مسئولية الدولة عن أعمال القضاة سائدة فى فرنسا ومصر  حتى صدورقانون فى فرنسا قانون 5يوليو سنة 1972 وصدر فى  مصر القانون رقم 145 لسنة 2006 وقررامسئولية الدولة مباشرة عن اضرار الحبس الاحتياطى ، اى عن أعمال القضاء ،واقترب بذلك نظام مسئولية الدولة عن أعمال القضاء من نظام مسئوليتها عن أعمال الأدارة وغدت القاعدة هى مسئولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية والاستثناء عدم المسئولية (11).

طرق التعويض : هناك طريقان للتعويض عن الحبس الاحتياطى (التوقيف ) الأول طريق مباشر والثانى طريق غير مباشر.

اولاً : الطريق المباشر (12).

فى فرنسا نص الشارع الفرنسى بالقانون رقم 70ـ 1643 الصادر فى 17يوليو سنة 1970 على مسئولية الدولة عن الأضرار التى تصيب الأفراد نتيجة لقرارات الحبس الاحتياطى ، إذا انتهت سلطة التحقيق إلى أنه لاوجه لإقامة الدعوى الجنائية أو قضت بالبراءة متى كان الضرر استثنائياً.

فى أيطاليا  جاء الفصل الثامن من الباب الأول من الكتاب الخامس من قانون الإجراءات الجنائية الأيطالى الجديد بعنوان :التعويض عن الحبس غير المشروع وتضمن مادتين الأولى برقم 314بعنوان شروط الحبس

1ـ كل من اعلنت براءته بحكم نهائى بسبب أن الفعل لاوجود له أو ان الجريمة لم تقع أو أن الفعل لا يشكل جريمة ، ولم ينص القانون على أنه جريمة ، له الحق في تعويض عادل على حبسه احتياطيا ، إذا لم يكن له دخل أو مساهمة فى أحداثه بناء على عمد أو خطأ جسيم من جانبه.

2ـ يتمتع بنفس الحق فى التعويض ، من أعلنت براءته لأى سبب او من حكم عليه ووضع خلال محاكمته فى الحبس الاحتياطى وظهر بحكم نهائى أن الأجراء الذى طبق بناء عليه التدابير قد صدر أو تم التمسك به بدون توفر شروط تطبيقه المنصوص عليها في المادتين 273، 280

3ـ تطبيق أحكام الفقرتين 1، 2وبنفس الشروط على كل من صدر لصالحه أجراء بحفظ الدعوى أو حكم بأن لاوجه لإقامة الدعوى .

4ـ لايكون هناك حق فى التعويض عن ذلك من الحبس الاحتياطى الذى تم احتسابه من أجل وزن مقدار العقوبة ، او من أجل تلك الفترة التى طبقت فيها القيود التالية للحبس الاحتياطى  بناء على أسباب أخرى .

5ـ يسقط الحق في التعويض أيضاً بالنسبة لذلك الجزء من الحبس الاحتياطى الذى طبق قبل إلغاء قاعدة التجريم ، عندما يصدر حكم أو قرار بالحفظ لكون الفعل لايعتبره القانون جريمة لإلغاء التجريم .

وجاءت المادة 215 بعنوان إجراءات التعويض ونصت على أنه :

1ـ يجب تقديم طلب التعويض خلال ثمانية عشر يوماً من اعتبار الحكم بالبراءة أو الإدانة نهائيا ، ومن اعتبار الحكم بأن لاوجه غير قابل للطعن فيه أو من تاريخ إعلان قرار حفظ الدعوى .

2ـ لايجوز أن يزيد مقدار عن (100) مليون ليرة .

3ـ تطبق قواعد التعويض عن الخطأ القضائى ذا لم يكن هناك تعارض .

مصر : وفي مصر نصت المادة 312 مكرراً من قانون الإجراءات الجنائية المضافة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 على أن (تلتزم النيابة العامة بنشر كل حكم بات ببراءة من سبق حبسه أحتياطياً، وكذلك كل أمر صادر بأن لاوجه لإقامة الدعوى الجنائية فى جريدتين يوميتين واسعتى الانتشار على نفقة الحكومة ، ويكون النشر في الحالتين بناء على طلب النيابة العامة أو أحد ورثته وبموافقة النيابة العامة في حالة صدور أمر بأن لاوجه لإقامة الدعوى .

وتعمل الدولة على أن تكفل الحق فى مبدأ التعويض المادى عن الحبس الاحتياطى في الحالتين المشار إليهما فى الفقرة السابقة وفقاً للقواعد والإجراءات التى يصدر بها قانون خاص ) .

والبين من هذه النصوص أن التشريعات الجنائية الحديثة قد أقرت صراحة مبدأ مسئولية الدولة صراحة عن أعمال السلطة القضائية .

 

2ـ الطريق غير المباشر(13) :

ويقصد به أنه يلجأ من أضير من الحبس الاحتياطى إلى طلب بطلان التصرف الذى صدر من القاضى والحكم ببراءته حتى تقرر مسئولية الدولة عما يحكم به على القاضى من تعويض نتيجة لبطلان تصرفه .

وإذا كان الشارع قد أوجد طريقين غير مباشرين لمسئولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية ، وهما دعوى مخاصمة رجال القضاء والتماس إعادة النظر فإن الطريق الأخير يتعلق بالحق فى الحصول على تعويض عن الأضرار التى أصابت الأفراد من جراء الحكم السابق بالأدانة وليس عن الحبس الاحتياطى ذاته ،فجوهر مسئولية الدولة يتجسد فى التعويض عن الأخطاء فى الأحكام الجنائية إذا كانت سبباً فى إعادة النظر ، وفضلاعن ذلك فلم يقرر القانون المصرى للمتهم حقا فى طلب التعويض عن الأضرار التى لحقته نتيجة للحكم الخاطى بالإدانة وكل ماقرره هو أن يتوجه بطلب التعويض إلى كل من ساهم بسوء نية أو عدم تبصر فى أيقاع القاضى فى الخطأ . وأما دعوى المخاصمة ، فهى دعوى من نوع خاص تستهدف تقرير مسئولية الدولة عما يحكم به من التضمينات على القاضى أو عضو النيابة بسبب الأفعال التي تبيح رفع دعوى المخاصمة باعتبارها طريق غير مباشر لمسئولية الدولة عن أضرار الحبس الاحتياطى .

 

التوصيات: مما تقدم نوصي بالآتي :

1ــــــ تحديد سقفاً زمنياً لحسم الدعوى الجزائية ونقترح ان يكون السقف الزمني الاقصى لانجاز القضايا التحقيقة هو شهرين فى الجنح وأربعة اشهر فى الجنايات اعتباراًمن تاريخ تسجيل الاخبار . علماً بأن قرارمجلس قيادة الثورة المحلول رقم (669) لسنة 1987 (الملغى )كان قد نص على حسم الدعاوى المدنية والجزائية خلال السقوف الزمنية التي تحدد مدتها بالتعليمات الا اذا كانت طبيعة الدعوى تتطلب اجراءات خاصة بها او كان العائق في حسمها خلال المدة المحددة لها سبباً لا دخل للمحكمة فيه  .

2ـــ ان من العدالة أن يُعوض المتهم الذى تثبت براءته عن مدة الحبس الاحتياطى التى أمضاها قبل صدور الحكم ببراءته ، فهو أولى بهذا التعويض من المدان نقترح ان يكون التعويض بصورتيه المادية والمعنوية من خلال نشر حكم البراءة في صحفتين محليتين واسعتي الانتشار (التعويض المعنوي ) وتعويضه بمبلغ نقدي بالأمكان تحديده بمراعاة كافة الاعتبارات كوسلية التوقيف ومدته ومافاته من كسب مادي وغيرها من الاعتبارات والمعايير التي بالامكان منح القضاء سلطه تقديريه بشأنها بمراعاه كل حالة على حده  .

 

 

الهوامش:

1ـــــ حسن يوسف مصطفى مقابة ، الشرعية في الاجراءات الجزائية ،ط1دار الثقافة للنشر والتوزيع عمان ,2003،ص157.

2ـــــ المصدر نفسه ص157.

3ــــ المصدر نفسه ص158.

4ــــ المصدر نفسه ص159.

5ــــ المصدر نفسه ص160.

6ـــــ محمد عبدالله محمد المر،الحبس الاحتياطى ، دار الفكر الجامعى ، الاسكندرية ، 2006، ص396.

7ــــ المصدر نفسه .

8 ــــــ المصدر نفسه ص396 ــــــ 398.

9ـــــ المصدر نفسه ص 398ـــــ399.

10ـــــ المصدر نفسه ص399ــــ400.

11ـــــ محمد على سويلم ، ضمانات الحبس الاحتياطى ،ط1،منشاة المعارف ، الاسكندرية ، 2007 ، ص181ـــــ182.

12ـــــ المصدر نفسه،ص 184ـــــ186.

13ــــ المصدر نفسة ، ص 196ــــ197.

 

 

المصادر :

1ـــــ دستور جمهورية العراق لسنة  2005.

2ــــ قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل .

3ــــ قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم (23) لسنة 1971.

4ـــــ حسن يوسف مصطفى مقابة ، الشرعية في الاجراءات الجزائية، ط1 دار الثقافة للنشر والتوزيع عمان ,2003.

5ــــ محمد عبدالله محمد المر،الحبس الاحتياطى ، دار الفكر الجامعى ، الاسكندرية ، 2006.

6ــــ محمد على سويلم ، ضمانات الحبس الاحتياطى ،ط1،منشاة المعارف ، الاسكندرية ، 2007.