نص كلمة السيد حسن كريم الكعبي النائب الأول لرئيس مجلس النواب خلال الاحتفالية التي أقامتها مؤسسة السجناء السياسيين بمناسبة ” يوم السجين السياسي “

السيدات .. السادة الحضور .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

الشهادةُ عنوان الخلود ومعراج التحرر والإنعتاق من ربقة الذل والعبودية والتردي ، وان كل مَنْ سار في طريق ذات الشوكة من السجناء والمعتقلين والمنتفضين كانوا يتوقون للقاءِ الله سبحانه وتعالى وهم متوجون بشرف نيلها؛ كونها عنوانا للأحرار ومِنهاجا لتحقيقِ وتجسيدِ العدالةِ والاستقلالِ في المجتمعاتِ الانسانية .

إن دماء الشهداء وجراحات الاحرار حينما رفرفت مقاصدها فوق ضمير الوطن ، جَسّدتْ أخلص النوايا متوّجَة بمفجر ثورة الدماء الزكية والمبادئ المحمدية للشهيد السيد محمد باقر الصدر والمولى المقدس الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قُدِست اسرارهم) والخُلَّص الذين داروا في فلكهم ؛ حيث لا يمكن أن ننسى مَنْ أرّقوا الموت في أشد شطحاته ، وأنَّبوا الضمائر في وقت أوشكت الاجساد ان لا تشعر حتى بأنفاسها .

ان الاحرار قالوا كلمة حق في وجه سلطان جائر وناضلوا مجرمي البعث الدامي الذي سعى جاهدا لمحو هوية العراق التاريخية وتحطيم كبريائه وإحالة ارض السواد الى يَباب وتبديد ثرواته وإزالة جباله وحرق اهواره بنيران الحقد الهمجية ، ارادوه أن يكون عراق الايتام والارامل والثكالى والمهجرين والمؤنفلين ؛ ولكن أنّى لهم ذلك فقد هرع الغيارى وزلزلوا عروش الطغاة بقصص تعجز عن محاكاتها الاساطير في وقت عزّ فيه الناصر والصديق ، فصبروا على الضَّيم والاستبداد ورفضوا الخنوع والخضوع ولم يقنعوا بالبديل المزيّف .

إن الاحتفاء بيوم السجين السياسي إنما هو إستذكار للحق والانسانية وللأهداف التي ضحوا بأجمل أيام عمرهم من أجلها ؛ مما يجعلنا أمام مسؤولية كبيرة لرد الدين تجاه تلك التضحيات الجسام والوفاء لذويهم ومتابعة شؤونهم في كل زمان ومكان .

ولقد أحسن واجاد المشرّع العراقي حينما نصَّ على اعتبار يوم الخامس والعشرين من شهر رجب هو يوم السجين السياسي ، وما اعظمه من شرف أن يقترن يومكم بأمامٍ قَهَرَ الصبرَ بصموده وأرّقَ الضيمَ في غياهب السجون بعنفوانه من أجل رفعة وكرامة الانسان .

ومن الجدير بالذكر اننا في مجلس النواب بدورته الحالية استهللنا باكورة اعمالنا بالدعوة الى الاسراع في تفعيل احكام قوانين العدالة الانتقالية ومتابعتها مع الجهات المعنية ؛ لاننا نؤمن ايمانا مطلقا بان دماء الشهداء الابرار وتضحيات الاحرار المخلصين هي السبب الاساسي في الخلاص من نظام البعث الاستبدادي وجلاوزته وفكره العفن .

لذا نأمل أن لا تكون قضية الشهداء والسجناء والمعتقلين (يافطات) شعارية يتَغَنَّى بها المسؤولون والساسة ، ويعزفون على أوتار الجراح التي لم تندمل بعد .. وفي حقيقة الامر، أن ما حَصَلَ عليه ذوو الشهداء والاحرار من تعويض لجبر ضررهم لا يساوي لحظة يُتمٍ عاشها أبناء أولئك الأبطال الذين سقوا ارض العراق بدمائهم الطاهرة ، ولا يَعْدِل دمعة أُمٍّ احْرَقَتْ قلبها لوعة فِراق فلذة كبدها.

في هذا اليوم الوطني لا يفوتني الّا ان أُشير الى بعض الملاحظات التي أعتقد من الضروري العمل على تحقيقها :

1. بذل الجهود الحثيثة من قبل مؤسسات العدالة الانتقالية لبيان فداحة الجرائم التي ارتكبها نظام البعث الفاشي ، والتأكيد على أن الارهاب بكل اصنافه ما هو الّا امتداد طبيعي لفكر البعث الدامي .

2. على مؤسستي الشهداء والسجناء السياسيين الابتعاد عن التحزب والقومية والطائفية والتأثيرات السياسية بكل اشكالها في ادارة شؤون المشمولين بأحكام قوانينها والتزام السياق المهني الذي يلامس الجراحات التي تعرضوا لها .

3. ادعو المؤسستين للتنسيق مع دائرة المنظمات غير الحكومية وهيأة المسائلة والعدالة ومنظمات المجتمع المدني المحلية والمنظمات العالمية للعمل على تأسيس المركز الوطني للذاكرة العراقية لخلق رأي عام عالمي يُسَوِّق حجم الضرر الذي اصاب العراقيون أبّان حكم النظام المباد.

4. على المؤسستين السعي الحثيث لإستكمال تعويض المشمولين باحكام قوانينهم على المستوى المعنوي والمادي نتيجة لما لاقوه من ضرر نفسي واجتماعي واقتصادي وصحي وعلمي وغيره.

5. ندعو وزارة المالية والوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة الى توفير التخصيصات المالية اللازمة التي اقرَّتها القوانين الخاصة بهاتين الشريحتين .

في نهاية كلمتي .. لا يسعني الا أن أشكر مؤسسة السجناء السياسيين على هذه المبادرة سائلا المولى جلّت قدرته أن يُسَدّد خطا العاملين فيها لتحقيق رسالة شهداؤنا الابرار التي من أجلها عانقوا أعوادَ المشانقِ واُذيبتْ أجسادُهم الطاهرةُ في أحواضِ التيزاب ، وفُرِموا في مفارمِ الرعبِ التي لم تألفها كلُّ أدواتِ عتاةِ الدهور ، في بناء وطن لا يُظلم فيه احدٌ وإنهاء كلَّ أثارِ الفقرِ والحرمان والجهلِ والخوف وان تُعاد حقوقَ كلِّ من غُصبتْ حقوقُهم وتُسْتَرَدَّ كرامة كل مَنْ اُهدرتْ دماؤهم وكرامتُهم .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يوم الاثنين 25/3/2019

الموافق 17/رجب/1440 هـ